كنت استكشف الرجل وكنا بصدد المباشرة بتنفيذ مشروع صداقة قائم على تحقيق منفعة متبادلة، وبدأنا نمارس مناسك الصداقة بانتظام، لكنه هجرني على نحو مباغت لأنه تولى منصبا قياديا جديدا (مدير عام مؤسسة)، أخذ يشكو من ضيق الوقت وعبء الالتزامات الرسمية والتوسع المفاجئ بعلاقاته المتشعبة، فلقد تضاعفت علاقاته الشخصية على ما قال لي، وتضخمت بزمن قياسي ما إن جثم على كرسيه هناك.
أوقف معي اتصالاته قاطبة باشكالها المختلفة واحدة تلو الأخرى، كانت اتصالات يومية او اسبوعية في أسوأ الاحوال، ابعث اليه رسائل بوسائل شتى وقلما يرد، لان وظيفته لها رزانة ووقار وترفض اي علاقة من هذا النوع غير الضروري حسب ما اصبح يظن.
صديقي او للدقة السابق، او ان شئتم صديقي المتحول ابيض البشره، ممشوق القد، ساهم الطرف، شعرة ناعم كالحرير ،عريض المنكبين ،انيق ،ذو عينين زرقاوين ، وشارب هتلري، وعابق ابدا بالعطور، ويقرض الشعر ، والى هنا اكتفي ولا اريد ان أزيد.
وحتى لا تظنوا بي الظنون، ينبغي لي التوقف هنا لاقول إن ذاك الرجل فائق القبح، بل وعلى درجة متقدمة من الدمامة، وجهه دائري مصغر ممتلئ بالكهوف ،شفتان مدلتان، واسنان صفراء، وتجاعيد عميقة محفورة في جنبات وجهه وتبدو متراصة كأنها محروثة بمحراث البغال، والى جانب ذلك ينكش أنفه باستمرار ، وهو قبل كل هذا وذاك جزوع هلوع، والى هنا يكفي ولا اريد ان أزيد.
وبسبب موقعه المتقدم طلب مني ألا أزوره إلا بموعد مسبق وان بإمكاني التواصل مع مدير المكتب او السكرتيرة إن أردت، وطلب اضافة لذلك اعفائه من اغلب مهام الصداقة، وكلفني بإعادة جدولة علاقتي به، وتغيير نمط تواصلي معه وضغطه لمستوياته الدنيا، وعلى فترات متباعدة، الا اذا اقتضت الضرورة القصوى خلاف ذلك.
وكنت بصدد تفكيك عُرى الصداقة مع القبيح، وهي عملية بالغة السهولة وتخلو من أوجه الصعوبة والتعقيد، لأن صداقتنا لم يمضِ عليها سوى شهر ، وﻻنه يظن انه صديقي الوحيد فلقد ألمح بضرورة ان أبادر للبحث عن صديق بديل يلائمني.
لأمر ما فقد منصبه ذاك على وجه السرعة، وعاد لي يشكو الوحدة والفراغ ويلح لاستكمال مشوار مشروعنا فاعتذرت وطلبت منه عدم التواصل معي الا اذا اقتضت الضرورة القصوى خلاف ذلك.