جادون جدا بالنهضة .. السعودية
معتز الهندي
19-06-2023 08:15 AM
هل هناك اذن ما من طرف ما.. ؟
ومن يسمح ومن لا يسمح لها بالنهوض.. ؟
تعيش المملكة العربية السعودية في سنواتها الاخيرة ما يسميه السعوديون بعصر النهضة، وهذه وفق اهل البلاد ليست عملية اصلاح اقتصادية بل انها ثورة شاملة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بل حتى انها طالت الخطاب الديني نفسه.
وهذه عملية مستمرة وجرت وتجري تحت قيادة أمير السعودية والقائد الفعلي للبلاد محمد بن سلمان، الذي حدد لمملكته رؤية ومدى زمنيا تكون فيه السعودية في مكانة اخرى، واتخذ جميع الاسباب لهذه الاستراتيجية .
فالأمير خاض عدة حروب عسكرية واقتصادية وسياسية لترسيخ استقرار المملكة وحماية مصالحها من الحرب في اليمن مرورا بالحرب السياسية التي استعرت بين بلاده وجارتها ايران، وما بينهما المقاطعة التي فرضها على قطر، والتحدي الذي كان قد دخله ضد اطماع الاتراك .
وكلها معارك تراجعت الرياض عنها مؤخرا ضمن سياسة جديدة تنتهجها عنوانها صفر مشاكل .
لكن كان على بلاده خوضها في السنوات الماضية كي يثبت حضوره اولا ويعلن ان بلاده لن تكون لقمة سائغة لمن يتربصون بها، فالامير القوي كان يدرك المتربصين وحقيقة ما يتمنون .
وبالتزامن مع حروب السعودية العسكرية والسياسة، خاضت الرياض حروبا داخلية ضد الفساد وحتى ذلك الذي ارتبط بالعائلة الحاكمة نفسها، واعلن الامير ان لا احد فوق رؤيته النهضوية للبلاد وانه ماض في طريقه حتى آخرها .
ورفع الامير نبرة التحدي حتى انه عارض قرارات للدولة التي كانت تصنف على انها راعية السعودية وهنا نتحدث عن الولايات المتحدة الاميركية، واستغل الامير الحرب الروسية الاوكرانية ليعيد تشكيل تحالفاته وموقع بلاده مع العالم، فانزاح نحو الشرق قليلا واعلن ان مملكته لم تعد حكرا على احد من القوى العظمى، فكما هي منفتحة على الاميركيين باتت منفتحة على الروس والصينيين .
وكما ذكرت سابقا ذهب الامير لانتهاج سياسة صفر مشاكل مؤخرا ليعلن ان المملكة تريد نهضة داخلها، و احد ابرز متطلباتها هدوء واستقرار حولها، فالحرب باليمن بدأت تضع اوزارها، والصراع الوجودي مع ايران انطفأت ناره، والتوتر مع تركيا تحول الى جسور للتعاون، بل حتى إن المملكة باتت ساعية لاطفاء الحرائق اينما اندلعت، فاحتضنت المتحاربين في السودان على امل، وقادت عودة سوريا للجامعة العربية والعرب، وأرسلت رسائل سلام الى ليبيا ولبنان والعراق وحتى اسرائيل، وان كانت اسرائيل ارادت السلام لكن للرياض مكاسب نظير السلام معها وهذا المقابل قد يكون برنامجا نوويا .
الخلاصة ان الرياض واميرها جادون جدا بالنهضة وفعلوا كل مستلزماتها وكل ما هو مطلوب منهم لكي تنهض المملكة وتسير نحو القمة، لكن هل هذا مسموح لها ؟!..
هذا السؤال الفرضي يحتاج الى تفكيك للوصول الى اجابة، فبداية من يسمح او لا يسمح لاحد في النهوض؟، وهل هناك من لا يرغب بان تقوم للسعودية قائمة؟، وفي حال وجود مثل هؤلاء الذين قد يعرقلوا صعود المملكة ما الذي على الرياض ان تفعله كي تتجنب معارضتهم؟، وهل هناك تجارب في العالم يمكن للسعوديين ان يستلهموا النجاح منها؟..
الاجابات سأبدأها من السؤال الخير .
نعم… هنالك العديد من النماذج لدول نهضت من بين الركام بل وصعدت كالصاروخ نحو القمة، وكثير منها كانت في وضع اقل بكثير من تلك النقطة التي بدأت منها السعودية، فاليابان مثلا ثالث اكبر اقتصاد بالعالم حاليا حين بدأت مشوارها كانت خارجة من تحت انقاض حرب عالمية وقنبلتين نوويتين، وكذلك كوريا الجنوبية التي تحتل اقتصادها المرتبة العاشرة عالميا فهي الاخرى بدأت مشوارها من حرب اهلية طاحنة خمسينيات القرن الماضي، وحتى المانيا رابع اقتصاد في العالم هي الاخرى كانت خارجة من حربين عالميتين خسرت وتدمرت وانقسمت في كلتيهما ..
اذا السعودية في طموحها بالنهضة لا تعيد اختراع العجلة وليست احلامها بدعة، فآخرين حلموا وطموح وحققوا ما ارادوه .
ومن هنا ساجيب على سؤال: ما الذي على ابناء المملكة فعله ليكرروا ما سبقهم عليه غيرهم؟..
والحقيقة ان السعودية فعلت الكثير داخليا وخارجيا، وربما نجحت في العبور حتى الان من اختبارات عديدة .
ولكن، هنالك المزيد في الطريق فليس من السهولة بمكان وفي عالم يحتكره الكبار ان يسمح لاي كان بالنهوض والصعود والمنافسة.. نعم وكلمة السماح هنا في مكانها، ففي المنطقة التي تنافس فيه السعودية كانت الخارطة تشير سابقا الى ثلاث قوى كبرى مهيمنة فيها وكل منها تمتلك مشروعا اقليميا، والحديث هنا عن تركيا باقتصادها الذي كان صاعدا وثقلها السكاني وموقعها الاستراتيجي وتحالفاتها مع الغرب ومؤخرا مع روسيا، وعن ايران ذات الثقل السكاني ايضا والمساحة الشاسعة والقوى العسكرية الخارجة عن سيطرة احد، وعن اسرائيل التي تمتلك السلاح والمال والتكنولوجيا واهمها الرعاية الدولية .
ما يعني ان اي دولة صاعدة في المنطقة عليها تقاسم النفوذ مع هذه القوى التي لن تقف مكتوفة الايدي وتتفرج على صعود لاعب جديد، هذا على المستوى الاقليمي، وهذه هي الدول التي فقط في المنطقة من الممكن ان تسعى لعرقلة مشروع السعودية.
لكن اذا ما أردنا توسيع الدائرة اكثر والحديث عن منافسة عالمية قد تخوضها السعودية فحدث ولا حرج، خاصة ان الطريق الى قمة العالم بدأ يشهد مؤخرا تنافسا محموما بين كثيرين، فالهند راغبة في مقعد وكذلك البرازيل ومعها دول اوروبا وعديد من الدول الاخرى .
اذا طريق السعودية للقمة ليست مفروشة بالورود، وهنا سؤال آخر واجابة اخرى، ماذا بوسع الاخرين فعله لعرقلة السعوديين؟.
وهنا الاجابة نستعيرها من نماذج اخرى ايضا، فهنالك دول بالعالم رغبت بأن تكبر ولكن لم يسمح لها، والحديث عن ايران مثلا التي اثقلت بالعقوبات حتى شل اقتصادها وكوريا الشمالية ايضا التي اطلق عليها العالم وتحديدا الغربي منه حصارا حتى خنقها، وحتى تركيا التي حين رغبت بدور ومساحة اكبر جرى ضرب اقتصادها اكثر من مرة حتى بدأ يترنح ، واكثر من ذلك اوروبا نفسها التي كشفت الحرب الاوكرانية الموقف الامريكي منها، فواشنطن تريد الاوروبيين تابعيين اكثر من كونهم قطبا فاعلا في العالم ، لذا حملتهم الولايات المتحدة الاميركية الفاتورة الاكبر من الحرب الاوكرانية وضُرب اقتصاد القارة الاوروبية حتى خرج الشعب الى الشوارع، فاذا كان هذا ما جرى لاوروبا فكيف اذا كان الصاعد عربيا؟!..
الحقيقة ان الازدهار والنمو مرتبط بجزء كبير منه بارادة الدولة الراغبة بالنهضة، لكن هنالك جزء آخر يتعلق بالسياسة وادارة ملف العلاقات الدولية، ومرة اخرى استعير مثالي الاخير للتوضيح المانيا التي يتزعم اقتصادها القارة العجوز تغص اراضيها بالقواعد الاميريكية، بل كل المانيا تعتبر قاعدة عسكرية اميريكية متقدمة، وكذلك اليابان التي تمتلك ثالث اقوى اقتصاد على الارض هي الاخرى اشبه بثكنة اميريكية للجنود، وحالها كحال كوريا الجنوبية التي هي الاخرى معسكر اميركي متقدم في الشرق الاقصى.. وهذا ربما ثمن لتقدم الاقتصاد .
فأميركا حين كانت تنفرد بزعامة العالم كانت تأخذ رسوما على كل من يرغب بالنهوض وهذه الرسوم كانت اشبه بفروض الطاعة والولاء لها،
لكن والان مع بروز لاعبين جدد كالصين ربما ليختلف الامر قليلا، وما زال هنالك الحاجة لاذن ما من طرف ما مهيمن وعلى الارجح ما زالت واشنطن من تتحكم بمفاتيحه اللعبة، فالصين ذاتها بعظمة اقتصادها مرت الى القمة من بوابة واشنطن وما كان لها العبور لولا فكرة اميركية قديمة كانت ترى بأن جر الصين من المعسكر الشيوعي القديم كان يتطلب دمجها باقتصاد الغربيين والانفتاح عليها ..
اذا تكون الاجابة الشاملة لكل ما طرح من اسئلة هو من يسمح ومن لا يسمح هي الولايات المتحدة حتى الان ، الا اذا كان هناك طريق اخر لم يسلكه احد من قبل، وقد تبدأ الامم الساعية للنهوض بسلوكه .