ليست أرقاما جديدة، لكن من المفيد أن نتذكرها دائما بما يتعلق بأحد تأثيرات الأزمة السورية على الأردن، ومنها ما قاله وزير الخارجية، قبل أيام، في مؤتمر دولي، بأن حوالي 200 ألف سوري ولدوا في الأردن من عائلات الأشقاء السوريين اللاجئين الى الأردن.
هذا الرقم وغيره من الأرقام الكبيرة تتجاوز قراءتها عبء التعليم والصحة والأمن والطاقة والمياه الى أن تكون انقلابا سكانيا في الأردن، فهؤلاء الأشقاء من السوريين ولدوا في الأردن ليضافوا الى أعداد السوريين الذين قدموا للأردن، وهم مليون و300 ألف، مسجلين أو غير مسجلين في سجلات مفوضية اللاجئين الدولية.
العام 1990 حين كان الدخول العراقي للكويت، عاد الى الأردن حوالي 300 ألف أردني، وكانت عودة لأردنيين يعودون لبلدهم، لكن مع ذلك أحدثت تغيرات كبيرة اقتصاديا واجتماعيا ...، عودة كانت من أبناء المجتمع ذاته، وربما لدى أهل الدراسة والبحث الكثير مما يقال حول تأثيرات عودة الأردنيين فجأة الى وطنهم، فكيف يكون الحال مع هجرة وتهجير لمليون وربع مليون سوري تمت قبل حوالي 12 عاما، والأهم أنه خلال هذه السنوات أنجبت العائلات السورية أكثر من 200 ألف سوري جدد متأثرين بآثار الأزمة وما تركه اللجوء عليهم وعلى مجتمعهم.
هي انقلابات سكانية يمر بها المجتمع الأردني نتيجة أزمات الإقليم، فمجتمع يضم بضعة ملايين من مواطنيه يضاف إليه %20 من السكان مرة واحدة وخلال أشهر، تماما مثلما تركت أزمات العراق آثارا سكانية بلجوء مئات الآلاف من الأشقاء العراقيين، لكنه لجوء لم ترافقه مخيمات، بل دخول مباشر على المجتمع العام 1990 ثم العام 2003 بكل تشكيلات الأشقاء من أصحاب ملايين الى من هم من الطبقة الفقيرة والمتوسطة.
مناعة عالية لمجتمعنا الأردني الذي تعرض لتغيرات في أرقام سكانه وقدوم جنسيات عربية عديدة كانت من ضحايا أزمات وحرائق المنطقة، لكن مع هذه المناعة، هنالك آثار تتركها هذه الطفرات الكبيرة في أعداد السكان التي رافق بعضها مثل الأزمة السورية في مراحلها الأولى استجابات دولية لمساعدة السوريين والأردن على تحمل آثار الأزمة، لكن عاما بعد آخر، كان الدعم يتقلص، وكلما تقلص الدعم كان العبء يزداد على الدولة والمجتمع الأردني في كل المجالات.
200 ألف مواطن سوري ولدوا في الأردن من أبناء العائلات السورية المهاجرة من سورية للأردن، ومنهم 155 ألفا على مقاعد الدراسة، وهنا لم يتوقف الأمر، فالزواج عملية مستمرة بين الأشقاء، وهناك آلاف المواليد يدخلون الحياة كل فترة، ولهذا ما تتحدث عنه الدولة من مليون و300 ألف ليس رقما ثابتا، بل متزايد، حتى لو حذفنا منه الوفيات والنسبة القليلة التي عادت لسورية أو تذهب وتعود، وهذا الجيل يحتاج للتعليم والصحة والماء والطاقة والأمن، ومع كل عام يكبرون فيه يتراجع الدعم الدولي، وبعد سنين يدخلون الى سوق العمل بشكل قانوني أو غير قانوني مزاحمين للأردني الذي يعاني أصلا من البطالة، وأيضا سيتزوجون وينجبون في بلد نقطة الماء فيه تقدم للمواطن بحساب.
مهم ما جرى سياسيا خلال الأشهر الأخيرة عربيا وبجهد أردني مميز، في الذهاب نحو حل سياسي وفتح الباب لعودة آمنة وطوعية للأشقاء السوريين الى بلادهم، لكن المشهد يقول إن الأمور ليست سهلة وربما نحتاج إلى عشر سنوات أخرى ليتحقق شيء من العودة المؤثرة، فالدولة السورية ليست في عجلة من أمرها والأشقاء السوريون في الأردن ليسوا مطمئنين ولا راغبين بالعودة، والمجتمع الدولي ليس مطمئنا للحكم في سورية وحتى فكرة الصندوق التي طرحها الأردن قبل أيام لتمويل العودة الطوعية لن يكون من السهل تمريرها دوليا... وعلى الدولة أن تفكر بمسار مختلف حتى في ظل قلة الخيارات وفي ظل تراكم أزماتنا في البطالة والمياه والطاقة والتعليم، فحتى الدعم الدولي يتضاءل عاما بعد آخر.
(الغد)