الأوقات الصعبة تصنع الرجال الأقوياء
قمر النابلسي
17-06-2023 05:38 PM
هل فعلاً الأوقات الصعبة تصنع رجالاً أقوياء ؟ وهل أوقات الرخاء وتَوفّر كل أسباب الراحة تخلق رجالاً ضعفاء؟
قصة قصيرة تتحدث عن رجل كان يراقب ولعدة ساعات فراشة صغيرة داخل شرنقتها وهي تحاول جاهدة الخروج منها وقد أحدثت ثقباً صغيراً وبعد كل محاولة تتوقف عن الحركة وكأنها يئست من الخروج , ثم تعاود العمل من جديد لتمزق جزءً صغيراً آخر باذلةً جهداً كبيراً , وهذا الرجل يراقبها فأخذته الشفقة والعطف عليها وقرر مساعدتها فأحضر مقصاً صغيراً وقص الشرنقة فسقطت الفراشة على الأرض ,ظل ينتظرها حتى تُحرك جناحيها وتطير ولكن كانت أجنحتها ضعيفة وجسدها نحيلاً ولم تستطع الطيران أبداً. .
عندما نسمع قصص الأشخاص الناجحين المؤثرين الذين استطاعوا أن يغيروا واقعهم وأحياناً أن يغيروا العالم ويتركوا بصمة أينما كانوا , ندرك أن حياتهم لم تكن سهلة بل مروا بظروف صعبة , تعرضوا لتحديات ومصاعب , فتسمع منهم كيف كانت رحلتهم الشاقة اليومية للمدرسة , أو قلة ذات اليد وكيف بدأ بعضهم العمل صغاراً وهم على مقاعد الدراسة , أو من فقد عزيزاً كان السند فتحمل هو المسؤولية, المهم أنهم رغم ذلك استطاعوا تمزيق الشرنقة معتمدين على أنفسهم متحدين الصعاب فخرجوا منها بأجنحة قوية طاروا وحلّقوا عالياً , فصنعت منهم الأوقات الصعبة رجالاً أقوياء .
هؤلاء الرجال الأقوياء استطاعوا أن يصنعوا أوقات الرخاء فقد كانوا أكفَاء وأصحاب خبرة مقدرين ما وصلوا اليه محافظين عليه وعندهم من الصبر والقدرة والحكمة لتنميته وتطويره ,فهم مدركون تماماً ما بذلوه و كم كلفهم الوصول إلى ما وصلوا إليه.
أوقات الرخاء صنعت رجالاً ضعفاء , درسوا في أفضل المدارس وأعرق الجامعات رجالاً وجدوا دائماً من يقص لهم الشرنقة , لم يواجهوا أي مصاعب أو تحديات ,توفرت لهم كل سبل الرفاهية أو العيش السهل , فغدوا رجالاً باجنحة ضعيفة غير قادرين على التحليق , لا علاقة لهم بمحيطهم , بعيدين عن أوجاع الناس ,لا قدرة لديهم للتعامل مع المشاكل والتحديات التي تعصف بالوطن, لا يملكون القدرة على إيجاد الحلول ؟ أو القدرة على الشعور مع من يعاني والتعاطف معه !
وأحياناً كثيرة هذا ما يفعله الرجال الأقوياء مع أبنائهم تأخذهم الشفقة والعطف فيحرصون على قص الشرنقة دون ترك فرصة لهؤلاء الأبناء للمحاولة أو بذل الجهد , يتولون كل أمورهم حتى لا يمر الأبناء بما مروا به من صعاب وتحديات – رغم أن هذه الظروف هي من صنعت منهم رجالاً أقوياء – فيخلقون جيلاً أنانياً لا يتحمل المسؤولية ولا يشعر -رغم كل ما يُقدم له - بالرضا أو القناعة.
ولأن هذا هو منطق الأشياء هؤلاء الرجال الضعفاء هم من يصنعون الأوقات الصعبة... هي دورة حياة الأمم.