بين الرجلين تقاطعات عديدة، فكلاهما متيّم بزوجته، لكن بينهما اختلافات عديدة، فابن زريق شاعر طموح ترك زوجته في بغداد إلى الأندلس هربًا من الفقر وطلبًا لرغد العيش، كلاهما محب لزوجته، ووضع أدلة عديدة تثبت حب الزوجة.
ابن زريق ترك زوجته، وغادرها إراديًا؛ لكن زوجة حسني عايش هي من "غادرته" لا أراديًا! هذه اختلافات مهمة جدًا، لكن ما هو مشترك كمُّ المشاعر وعمقها، وحب الزوجة حتى الرمق الأخير! توقعنا جميعًا أن لوعة حسني عايش على الفراق ستخف مع الأيام! ولكنّ هذا لم يحصل؛ ففي كل يوم يسجل حسني عايش
صدق المشاعر خلافًا لابن زريق الذي سجل مشاعره في قصيدة واحدة خالدة.
يقول ابن زريق:
ودعته وبودي أن يودعني
فيض الحياة ولكن لا أودعه!
وهذا ما عبر عنه حسني عايش حين تساءل: ولماذا عليّ أن أعيش بعد فراق زوجتي!
ويقول ابن زريق:
لا أكذب الله ثوبُ الصبر منخرقٌ
عني بفرقته، لكن أرقِّعُهُ!
تجاوز حسني عايش هذه المشاعر
وقال إن ما تمزّق بوفاة الزوجة لا يمكن ترقيعه،فالبيت خاوٍ، لا حياة فيه، وأنه يعيش الآن كما ابن زريق:
إني لأقطع أيامي وأُنفذها
بحسرةٍ منه في قلبي تقطعه!
يرفض حسني عايش الاعتراف بالواقع، فما زال يبحث عن زوجته في كل زوايا البيت، علّها تظهر فجأة!! فلم يتخيل لحظة أنه سيعيش بدونها، وأنّ الموت سيفجعه بها ؛ تمامًا كابن زريق:
ما كنت أحسب أن الدهر يفجعني
به، ولا أنْ بيَ الأيام تفجعه!!
ويبقى حسني عايش على حاله ووعده لزوجته، وهي العيش معها
حتى لو غادرت الحياة، تمامًا كما عبّر ابن زريق مخاطبًا زوجته:
من عنده ليَ عهدٌ لا يضيعه
كما له عهد صدقٍ لا أضيعه!!
كلما زرت حسني عايش أو قرأت خواطره"عالفيس" أثق بأنه فقد كل معنى للحياة خلافًا لابن زريق الذي اعترف بالحقيقة التي أنكرها حسني عايش، فصبر على الفراق:
لأصبرنّ لدهرٍ لا يمتعني
به، ولا بيَ في حال يمتعه
علمًا بأن اصطباري معقِبٌ فرحًا
فأضيق الأمر إنْ فكرتَ أوسعه!
فالأمل عند ابن زريق موجود خلافًا لحسني عايش، فهو مازال
في لعلّ وعسى:
عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا
جسمي ، ستجمعنا يومًا وتجمعه!
حسني عايش سيخلف أثرًا ودروسًا في حب الزوجات، خلافًا لما هو شائع في ثقافتنا العربية!
وهذا أمر جيد! ويبقى سؤال
هل يحق لحسني عايش أن يعبث
بنا إلى هذا الحد؟ هل يحق له أن
يحزن حتى النهاية؟ لقد أثبت بشكل قاطع ما تستحقه الزوجة
في حياتها وبعد حياتها،لكن هل يستحق حسني عايش ما يفعله بنفسه؟ وهل نستحق ما يفعله أمامنا وبنا كل يوم!!!
يسجّل للرجلين أنهما وضعا أدبًا وشعورًا خالدًا تستحقه كل زوجة!!