حتى فترة قريبة كنا نسقط مصطلح السرطان من حديث السرطان، حتى استبدل الناس المسمى بالخبيث، وبعدما تبين أن تدوير المصطلحات لا يفيد عدنا لتدليل المصطلح بالكانسر.
في الأردن خسرنا وخسرت المنطقة أعظم سياسي بمرض السرطان، فقد توفي الملك حسين بعد أن بنى أكبر مركز في الشرق الأوسط لمكافحة هذا المرض، ومن ثم تبرعت الإمارات والسعودية بتوسعة المبنى، كما تكفلت قطر بتكاليف علاج الإخوة السوريين اللاجئين، وهي معلومات غير خاضعة ( للشو الإعلامي) ولا يذكرها الأشقاء من باب طلب الرحمة لأنها أفعال لا تحتكم لأي تأويل سياسي.
وبالرغم من ذلك فإن مرض السرطان لا يقف عند المبنى والعلاج الجسمي، فهناك الدعم المعنوي والعناية الخاصة وتسهيل انتقال ومبيت المريض، وتوفير المكملات والتغذية السليمة والبيئة الصحية والتدفئة والمرافقة العائلية وبرامج الدعم النفسي والاجتماعي كما لو كانت معركة لن تنتهي إلا بانتهاء المرض، فالحسين وضع حجر الأساس لمحاربة السرطان معتقدا أننا سنهزم المرض بشتى الوسائل، ورحل مبتسماً كما لو كان يعلن ثقته بنا على المضي قدماً في المعركة ضد السرطان بجميع أنواعه وأشكاله التي تتعدى الخلايا التالفة في الجسد إلى الخلايا المسرطنة في الوطن.
عن تجربة شخصية لمرافقة مريض السرطان لم أجد أي من هذه البرامج خلال سنوات المرافقة، وعلى العكس من ذلك، فهناك صعوبات تعود لعدم استحداث قوانين خاصة بمواجهة المرض كتلك الموجودة في الإمارات مثلاً، حيث يعطى مرافق مريض السرطان ستة أشهر إجازة مدفوعة الراتب، بينما اضطررت هنا لدفع مبلغ ٥٠٠ دينار للحصول على اجارة شهر عندما تجاوزنا جلسات الكيماوي وانتقلنا لجلسات العلاج الإشعاعي التي تجري بشكل يومي لمدة شهر.
يحتاج السرطان لعمل جماعي ومنظومة قوانين تسهل محاربته، فلا يمكنك مواجهة الدبابات بالخناجر، وللأسف فإن كل إعلام العالم لا يساوي بند قانوني واحد يسهل على المريض وذويه، وفيما عدا ذلك ستعتمد النجاة على التطور الجيني والانتخاب الطبيعي وهو أمر سيغضب حتى أجدادنا في قبورهم.
أنا لا أجد حرجا اذا سمح الصديق سمير الحياري بالنشر، في الحديث عن تجربة شخصية لمرافقة مريض السرطان، بالقول لولا وقوف الدكتور رجائي المعشر إلى جانبي خلال السنوات الماضية فلا استطيع تصور نتيجة المعركة التي تسيطر عليها أجواء الإعلام والشو بعيداً كل البعد عن الواقع الذي يبكي قلب الصخر.
بكل مناسبة يتحدث الرئيس الأمريكي بايدن عن وفاة إبنه بالسرطان، وهو يسمي المرض بإسمه ولا يمكن للأب أن يتحدث عن وفاة إبنه لهدف انتخابي مهما بلغت مكانته السياسية، ولكن حديث الرئيس الأمريكي عن السرطان شجعني على كسر حاجز الإحراج في مجتمعاتنا، وهو حديث محكوم بالجهل وغياب القوانين مما حمل أحد نواب الأردن قبل فترة قريبة لإعلان الموت على مريض السرطان كما لو كان حليفا للسرطان ويهتف عابسا ضد ابتسامة الملك حسين رحمه الله.