هذه قنبلة بشرية موقوتة بحق، والكلام هنا ليس من باب المبالغات، بل قنبلة قد تنفجر عاجلا ام آجلا، حين يغيب التخطيط عن الدولة بكل مؤسساتها وليس عن جهة محددة وحصرية.
معنى الكلام هنا انني مسبقا لا اجد نقدا لجهة محددة، بل لكل مؤسسات الدولة لأن هذا الملف لا تقدر عليه وزارة منفردة، ولا مؤسسة وحدها، حتى لا تعالج القصة هنا، على طريقة "ابحث عمن ترمي المسؤولية على ظهره وحيدا"...وقل كلمتك وامش، فلا احد يهتم اصلا في بلادنا.
يبلغ عدد طلبة المدارس في الأردن وفقا لآخر الاحصاءات عام 2022 2,244,751 طالباً وطالبة منهم، 1,634,673 في المدارس الحكومية و466,224 في القطاع الخاص.
أكثر من مليوني وربع مليون طالب، يمثلون كتلة بشرية كبيرة، واساسية، سيكونون في الصفوف الاولى على ما يفترض في الأردن بعد عشرين سنة، وحين تسأل العشرات ممن تعرف عن مصير اولادهم مع انقضاء العام الدراسي، يقول لك غالبيتهم ان اولادهم سيجلسون في البيوت، او انهم كما نعرف سوف يتسكعون في الشوارع، والحارات، والازقة، لينسوا ما تعلموه اصلا، وليكتسبوا معرفة شوارعية، اذا جاز التعبير، وبعضهم يذهب للبحث عن اي عمل يناسب عمره، ليساعد عائلته، او يمضي وقته متأملا في سماء غرفته، او ملاحقة اخبار ابنة الجيران.
لست مصلحا اجتماعيا، لكن من حقنا ان نسأل لماذا تهمل الدولة هذه الكتلة البشرية، حتى لا نتحدث عن نقاط الضعف في التعليم اصلا، ونركز عما سيفعله مليونا طالب خلال ثلاثة اشهر هي مدة اجازة الصيف، حيث يواجهون مصيرا مفتوحا، فلا نوادي، ولا قدرات مالية لإشغالهم، ولا مهارات خلال اجازة الصيف، ويتم تركهم للصدف حتى تتشكل شخصياتهم من خلال اجهزة الموبايل، ورفاق الازقة، وغير ذلك من مغذيات يومية في حياة كل هؤلاء.
لا يمكن للبلد ان ينهض ما لم يقف الاستراتيجيون لحظة واحدة للسؤال عن مصير هؤلاء، وكيف تتشكل شخصياتهم، وماهو مستقبلهم اصلا، في ظل تعقيدات التعليم العالي، والتعليم المهني، ومستقبل البطالة، واستحالات الهجرة، وشيوع المفاسد، والتطرف في وقت واحد، وكأننا نستثمر هنا في المجهول، ولا نقف عند هذه الاجيال والمصير الذي ينتظرها.
هذا مصير تتضح عناوينه منذ هذه الايام، ولا يصح ان يتم تركه، بذريعة ان الطلبة طوال عمرهم، هكذا، اي يدرسون ويعطلون ويرتاحون، لأن المقارنة هنا خاطئة، فقد بتنا امام كتلة بشرية ضخمة، تتعرض الى مؤثرات كثيرة، ربما للمفارقة يعد الاهل والمدرسة من اضعفها.
قف لربع ساعة مع اي طالب من مدرسة ما، ولن اخصص حكومية أم خاصة، ام تابعة لوكالة الغوث، واسأله عن قضايا كثيرة، عندها سوف تكتشف انه لا يهتم بشيء، وثقافته العامة منخفضة، ويكره المدرسة، ولغة جسده مضطربة، كثير التمايل وهز الرأس والاكتاف، يدخن السجائر، مصاب إما بالخجل المفرط، او الوقاحة بلا حدود، اهتماماته تتوزع بطريقة في غاية الغرابة، وحواسه مفتوحة على كل شيء، عدا ما يصنع شخصيته او مستقبله، او يجعله واثقا من نفسه ومستقبله، يهزأ بكل شيء، قدرته على احترام غيره منخفضة في الاغلب، وميله الى الصدام مرتفع، والخشونة تتبدى في تصرفاته، حتى لا نقول البذاءة التي تتسرب على الألسن احيانا.
هذا ليس تشويها لسمعة اكثر من مليوني طالب، اذ فيهم المتفوق والمبدع والناجح، وفيهم الملتزم، وفيهم ايضا الذي يعرف طريقه جيدا، وفيهم الموهوب، والذكي، والواثق، والقوي ايضا.
لكن السؤال ليس عن الاستثناء، السؤال عن عدد الطلبة الاكبر، الذي قد لا نرى مثله في اي بلد عربي، مقارنة بعدد السكان، وعما يفعلوه طوال دراستهم، وخلال اجازاتهم، وهي اجازات طويلة، يتم تركهم فيها لكل شيء، والاب مشغول بالركض وراء رغيف الخبز، والام اما عاملة ايضا، او منشغلة بما تفعله الجارات، ولا تدرك دورها وتترك كل شيء على التساهيل وللصدف.
لا بد من تغيير فكرة اجازة الثلاثة اشهر البائسة، واعادة ربطها بذات المدارس، وتحويل كل مدرسة الى ناد صيفي، بطريقة مرنة من خلال برامج غير دراسية، ومبادرات وافكار
مبدعة، ومن خلال برامج الخدمة العامة، والرحلات، والدورات، وتبني المواهب لصنع جيل مختلف.
الدول تستثمر في المستقبل، الدول تستثمر في ابنائها، ولا تستثمر في الفراغ.
الغد