يستخدم الكثيرون منا مقولة "الخيار والفقوس" في الاحاديث اليومية للتعبير عن عدم التمييز او اذا ما تعرضوا له.
في الحالة الأولى يحاول المتكلم تبيان انه شخص عادل ولا يميز بين شخص واخر فيقول "انا ما عندي خيار وفقوس" ويمضي دون أن يبين لنا أيهما الأهم وايهما الاقل اهمية.
وإذا ما أراد الإشارة الى وضع فيه شيء من التمييز نجده يقول "يا عمي ناس خيار وناس فقوس".. حتى اللحظة لا نعرف مين الخيار ومين الفقوس ومع ذلك نتظاهر بأننا نفهم ما قيل ونهز رؤوسنا تعبيرا عن الإقرار بصحة القول.
في الأساس كان الناس يقصدوا ان الخيار هو الأفضل وان الفقوس لا يحظى بقيمة ولا مكانة الخيار فالخيار هو الخيار الأول والفقوس ليس عليه طلب كابن عمومته الخيار..
الأمر تغير كثيرا اليوم فالخيار يملأ الاسواق وأسعاره اقل من الفقوس وهو حاضر على رفوف محلات الخضار طوال العام في حين ان الفقوس منتج صيفي يباع على أطراف المقاثي المنتشرة على جنبات الطرق الخارجية وهو أقل حضورا على الموائد وأغلى ثمنا من الخيار.
بعض حبات الفقوس مرة ويذكرنا مذاقها بالايام التي يأتي بعضها مرا وبعضها حلوا. المدهش اننا لا نعرف كيفية التمييز بين الفقوس الحلو والآخر المر الا بعد ان نقضم الفقوسة.
ظهر اليوم جلسنا على طاولة مطبخنا بعد الغداء فتناولت فقوسة ازهت بعيني وقسمتها نصفين فناولت نصفها لام عبداللطيف قبل ان نتذوقها فقالت "اكيد مرة" تعجبت لردة فعلها وتذوق النصف المتبقي معي واذا به مر. عندها التفت نحوها وقلت معاكي حق. الهذا كانت امهاتنا يقلن للاباء بانهن سيتقاسمن معهم الحلوة والمرة.. لقد تناولت كامل القطعة واعجبتني مرارتها.
الأيام تبدلت قليلا او ربما كثيرا فقد اصبح الفقوس أشهى لمستهلكنا بالرغم من اللون الشاحب والمذاق الحيادي والشعيرات او الهلب الذي يغطي جسم الفقوسة وغرابة أنواعه التي زرعت على طرقات الأراضي العتيقة. لقد تراجع الطلب على الخيار البلدي وحتى ما في الاسواق منه لم يعد بلدي فلا طعم ولا قوام ولا رائحة.. لقد اختفت رائحة الخيار البلدي وجفت الزهرة التي لازمت حباته كعلامة مسجلة ولم يعد لحضوره ذاك الفوح الذي خبرنا.. فمن الذي عبث بذوقنا وجعلنا نتذوق الفقوس ونمقت الخيار.