هوية أنثى .. أيقونة نسوية
معتز الهندي
12-06-2023 12:25 PM
حديثي اليوم عن رؤيتي للشعر الذي تكتبه النساء والرواية التي بدأت تطفو على سطح المشهد الثقافي بأسماء نسائية وللحظة ظننت أني اسخر شرقيتي، فقد بقيت للحظات وأنا أسمع نفسي متأثراً بعاداتي المحضة..
ولكن حين مررت في تحليلاتي أصبت كما يصيب اي شخص حين يكتشف أنه لا يحلم وإنما يعيش حقيقة عزباء لا تحلم..
في حديثي لكم عن روايتي… نتحدث قليلاً عن تاريخ قمع المرأة وكيف أن الرجال باسم الدين أول من قمع المرأة في كل الديانات وأنهم ربطوا المرأة بالخطيئة دائما كجسد.. كصوت.. كحضور .. ككيان مستقل … وحتى كشريكة حياة للزوج وهذا أدنى حقوقها .
أشير اليوم إلى أن ما تكتبه المرأة اليوم هو إشارة إلى أن العالم ذات يوم وليس بالبعيد ستستلم دفة القيادة، واي قيادة فقد استنتجت من الحرب العالمية الثانية كانت سببا في استنزاف الرجال لأنفسهم في حروب لا معنى لها وانتهت كلها بالهزيمة.. وأكبر خاسر فيها كانت الذكورة، لأن ما بعد هذه الحرب هناك قلبٌ للموازين حين أخذت المرأة دورا قياديا في ترميم ما أفسده الرجال .
شهادة لم أتوقعها مني كرجل خاصة من شرقي.. استذكر سريعا إلى ما يحدث في العالم من حروب وتصفيات ومجازر واقول لنفسي متشائماً.. إن وضع النساء سيء ولا أظنه سيتحسن لكني أصر على أن الوضع اليوم مخاض لولادة عهد جديد فالمرأة خلال صراعات الرجل على السلطة وآبار البترول ومناطق الثروات المعدنية والمياه وجدت متسعا للتعبير عن تاريخ مواجعها، وبدأت ترسم حدودا لها في كل مكان كأنّها تنتقم لنفسها .
اليوم نجد المرأة في كل مكان ونجدها فجأة تبلغ مراكز مهمة رغم محاولة الذكور تهميشها..
بصراحة، ابتسم وانا اقول إن المرأة اليوم انتصرت في السرد ولامست قلوب الناس بلغتها الشعرية حتى إن لم تكافأ كما يجب وكما احب .
هل أعتبر شهادتي هذه رسالة لكي وللمجتمع أجمع..؟، أم أكتفي باعتبارها شهادة ثمينة لصالح إنجازات المرأة الأدبية وغير الأدبية؟..
فعندما أنظر حولي جيدا وأرى ما حققته النساء خلال ما عشته من سنوات عزيزة، انتبهت إلى أن تطور المرأة كان سريعا جدا في السنوات الأخيرة ولكنّنا بحكم تربيتنا والأجواء المحيطة بنا نركز دوما على الجانب المظلم من الكأس وتربيتنا ومحيطنا يعود علينا وعليكُنَّ ايضا ان جاز التعبير .
وإن كانت المرأة اليوم تباع وتشترى في أسواق النخاسة في بعض المناطق التي سيطر عليها المتطرفون غربيون كانوا ام شرقيون، فإنها في مناطق أخرى تركت بصماتها التنويرية إلى الأبد .
فمن تكتب كتابا أو تنجز أي منجز آخر يصبح الوقت متأخرا لتحطيمها وإنهائها، فالتكملي ما تؤمنين وما بدأتِ .
هناك خوف من المرأة أيضا، وتعبير واضح عن ضعف الرجل خاصة في هذه المرحلة او بمعنى آخر مؤامرة عليه وعليها، فالتّطرف الديني والاعتداء على المرأة هو أول مظاهر هذا الضعف كون الرّجل عاد للغة البدائية وأصبح يستعمل العنف ضد أنثاه وضد نفسه .
العنف ضد المرأة يستعمل أيضا في محاربتها على جميع الأصعدة وانتقادها على أنها الأسوأ والاهتمام بأمورها الحياتية أكثر من الاهتمام بتطوير الذات الذكورية وحماية العائلة والمجموعات البشرية التي يفترض أنها ذكية .
وهذا يبدو سلوكا غريبا من أغلبية الذكور الذين تعتني بهم أمهاتهم منذ ولادتهم إلى أن يشتد عودهم ثم يُسخّرون قوّتهم لمحاربة جنس أمهاتهم .
والأسوأ أن المتتبع لبعض الأشرطة التلفزيونية عن حياة القبائل البدائية في أفريقيا وأستراليا مثلا يكتشف أن الرجل البدائي لا يعامل أنثاه بالعدائية نفسها التي يستعملها أصحاب ربطات العنق والبدلات الأنيقة ضد الإناث، ذلك أن الرجل لا يخطر بباله أن تلك الأنثى خطر عليه .. حتى جسدها العاري يحترمه ولا يلمسه ولا يقترب منه احتراما لقواعد الجماعة التي لم تتلوّث بعد بأفكار تفخيخية تجعل الرجل في خطر إنْ ضَعِف أمام جمال الأنثى أو مال نحوها عاطفيا وغرائزيا .
هناك مشكلة كبرى إذن نعيشها اليوم.. حين يصبح نتاج المرأة على جميع الأصعدة عملا ناقصا في نظر ذكور يُفترض بهم أن يكونوا أول المشجعين للرؤية الموضوعية له.
أقول ذلك وكل حديثي في رأسي وأحاديث أخرى لنقاد وكتاب ومثقفين يقللون من قيمة ما تنتجه المرأة، فسيدات القلم اليوم رغم سخرية البعض من آلامهن وشهاداتهن الصادقة عن تجاربهن الحياتية باقيات على قيد الحياة.. ولأن أصواتهن أصبحت كثيرة فهذا يعني أن البذور التي ظنها البعض ماتت بدأت تخرج من جوف القبور وتنمو من جديد .
لا أتوقع سوى أن هذه المرأة هي مستقبل العالم، وأنها تعيش قسوة المخاض لا غير .
أقول هذا وفي رأسي أشياء كثيرة، فخارج المشهد الثقافي نرى الإبداع النسائي في كل مكان إذ لم تتوقف أيديهن الناعمة أبدا عن الإبداع، لم تتوقف حتى في أعتى الحروب عن منح الحب لأولادها والحفاظ على حياتهم فيما رحى الأحقاد تدمر الأرواح خارج حضنها،
حتى أعنف المهن التي كانت حكرا على الرجال فقط لجأت إليها المرأة لتوفر لقمة عيش أبنائها.. وهذا يعني أنهم في فورة غضبهم وتناحرهم بسبب أطماع وهمية تكون المرأة قد أخذت أماكنهم الشاغرة .
لقد بلغت المرأة مرحلة اللاخوف من قول الحقيقة بشأن نفسها وهذا ما لم أجده في أغلب ما كتبه ذكور في لباس الفرسان..
ومن اروع الامثلة في الارادة والمثابرة اللتي لا تدع اي حجة للمتكاسلين والمتخاذلين الملقين اللوم دائماً على الظروف والامكانات والتي يتردد صوتها في كل الازمنة عبارتها..
عندما يغلق باب السعادة يفتح آخر ، ولكن في كثير من الأحيان ننظر طويلاً في الابواب المغلقة بحيث لا نرى الابواب التي فتحت لنا
المعجزة الانسان هيلين كيلر..
اختم لكم بأن الأيقونة النسوية باختياركم لا باختيار الزمان ولا المكان، فمؤخراً قد كُرمت عاهرة سابقة اعتزلت مهنتها لتسرد قصتها وتجربتها المؤسفة وطريقة استغلالها وحربها على تاريخها الموثق حسب قولها، ففي جامعة اكسفورد حاضرت تلك الايقونة لهذا الزمان على طلاب استقبلوها استقبال الفاتحين، ولسخرية القدر ان تلك الجامعة وذات الكرسي جلست عليه وحاضرت منه ايقونة نسوية من زمان آخر ولكن في ذات المكان ..
الام تيريزا واين انتن ونحن من تيريزا
العالم تبدل … وتبدل كثيراً فتذكري ايقونتك النسوية …
فلدينا من تاريخنا وعراقتنا وشرقيتنا وديننا وعروبتنا وغيرتنا .. الكثير والكثير … واكثر .