هل نحن جاهزون للدخول في عملية التحديث بمشروعاته الثلاثة؟ استدعاء سؤال الجاهزية يبدو ضروريا في اتجاهين: أحدهما إدارات الدولة التي تتحمل مسؤولية إدارة عملية التحديث، ودعمها وتسهيلها وإزالة العقبات من طريقها، والثاني نخب المجتمع التي تقع عليها مسؤولية الانخراط بالمشروع، والتعامل معه بمنطق الاهتمام والجدية، وعدم الرضوخ لأي معوقات تواجهه.
كما أن استدعاء السؤال، في هذا التوقيت، يبدو وجيها، ليس فقط لأننا نفتقد ورشات العمل التي يفترض أن تذكرنا أن لدينا مشروعات، وأننا نتعامل معها بما يلزم من استعدادات لإنجازها وضمان نجاحها، وإنما لأننا، أيضا، نواجه مناخات غريبة أحيانا، وتصدمنا قرارات أغرب، لا تنتمي لفصيلة التحديث والانفراج وترطيب الخواطر، ولا تتناسب مع واجبات الاستبشار، التي تسبق، بالعادة، استقبال الولادات الجديدة.
صحيح، أنجزنا في إطار التحديث السياسي بعض الروافع التشريعية، وانتهينا من عملية تصويب المسار الحزبي، كما أنجزنا في عمليتي التحديث الاقتصادي والإداري إشهار الرؤى والخطط، لكن الصحيح، أيضا، ان ما فعلنا ما زال معلقا بالرغبات والآمال والوعود.
لم نستطع اختراق كتلة الثلاثين التي ما زالت تتمنع عن المشاركة السياسية، لم نتمكن من إطلاق صافرات الانتعاش الاقتصادي، ولو بالإعلان عن مشروع كبير، أو استثمار يطمئن العاطلين عن العمل بأن ثمة حلا يلوح بالافق، اما بوادر إصلاح القطاع العام فما زالت تدور في فلك الاحالة للتقاعدات المبكرة، ما يعني أن رسائل التحديث التي وصلتنا مشفرة بالألغاز، وبالتالي يصعب فتحها وفهمها.
أعرف أن الحكومة ستتحرك، خلال الأيام العشرة القادمة، لمصارحة الأردنيين بما تفكر به، وربما لمحاولة وضع القطار على السكة، هذه مسألة ضرورية ومطلوبة، لكن من واجبنا أن نذكّر إدارات الدولة أننا أمام مشروع كبير يتعلق بمستقبل بلدنا، وان يد الحكومة وحدها لا تستطيع أن تصفق إذا لم تتضافر جهود الجميع لمساعدتها، أقصد هنا مؤسساتنا وأجهزتنا الرسمية والمدنية، لاسيما النخب التي تمثل المجتمع، هذه التي ربما تأخذها حسبة المناكفات إلى أماكن أخرى لا نريدها، مثلما يفترض أن تأخذنا، كأردنيين، حسبة مصالحنا العليا للدفع باتجاه تحويل هذه المشروعات إلى واقع ملموس، وكشف كل من يسعى لإفشالها، مهما كان وزنه أو عنوانه.
إقناع الأردنيين بما تم إنجازه، حتى الآن، على صعيد التحديث، يحتاج لمسألتين : قرارات حازمة تعكس الجدية الرسمية تجاه الموضوع، وحملات إعلامية تحظى بالمصداقية لإيصال الرسائل الحقيقية لما يجري داخل مطابخ السياسة، هذا في موازاة استنفار على كافة الجبهات للعمل من أجل انضاج فكرة التحديث، والحوار حولها، ووضع ما يلزم من امكانيات لتهيئة الظروف، ومواجهة قوى التعطيل، وصولا إلى ضمان ما تحتاجه من مقومات التنفيذ والنجاح.
أدرك تماما أن لدى البعض تحفظات عديدة، ومخاوف وشكوكا اكثر، سواء أكان هذا البعض من طبقة الذين ما زالوا يتحركون في دائرة الحفاظ على الوضع القائم، بما فيه من امتيازات ومصالح، أو من الذين ينظرون إلى البلد من زاوية المظلوميات والمحاصصات، لكن ما يجب أن نفهمه هو أن هذا التحديث هو الخيار الوحيد الذي نملكه، والاستحقاق الأهم للدولة التي تعاني من تهديدات وتحديات تتعلق بوجودها، لا بمجرد حدودها فقط.
إذا اتفقنا على ان مصيرنا معلق بالتحديث ومشروعاته الثلاثة، فإن فرصة الخروج من أزمة « اللاثقة» التي تطاردنا، ومن حصار الزمن الماضي الذي يريد المعطّلون أن نبقى فيه، هذه الفرصة ما زالت قائمة، وبوسعنا أن نستثمر فيها، وإلا فإن النتيجة هي إعادة اخطائنا مرة أخرى، والدوران في ذات الفراغ الذي أورثنا ما أورثنا من خيبات وتراجعات.
(الدستور)