اثارت شجوني مقالة الدكتور محمد الارناؤوط في الزميلة الغد يوم اول من امس الخميس، والتي جاءت تحت عنوان مطابق للبرنامج الحواري الشهير (قهوة تركية) الذي تقدمه اعلامية عربية لامعة اسمها هاجر بن حسين، لم اكن اعلم وانا اتابع ذلك البرنامج باهتمام نظراً لتنوع وجهات نظر ضيوفه على نحو لا تبدو فيه مقدمة البرنامج وكأنها تميل لتفضيل رأي على آخر، بقدر ما تحرص على مواكبة برنامجها للأحداث والملفات الساخنة او تلك التي تحظى باهتمام شعبي للناطقين بلغة الضاد.
اقول لم اكن اعلم انها تونسية الجنسية نظراً «لاستقامة» لسانها وفصاحة لغتها وقدرتها المهنية ذات البُعد الاحترافي والمتمكن في الآن ذاته على ضبط مخارج الحروف بلا لحن او اخطاء لغوية او ميل الى «التسكين» الذي يفضي وفق النصيحة (الضارة كما ينبغي القول) التي تقول «سَكّنْ تسلم»، الى خراب لغوي عميم.
لا اريد امتداح القناة التركية الناطقة بالعربية التي دشنها طيب رجب اردوغان قبل نحو من عام، ولا اطراء المقدمة التونسية، بقدر ما شكله مقال الدكتور ارناؤوط من مناسبة لالقاء الضوء على مهنية الاعلامي واحترافه، التي تشكل اللغة عاملاً رئيساً و»جاذباً» فيها إذا ما أحسن المقدّم ترتيب أفكار وتقديمها على نحو يدفع المشاهد لعدم الانتقال الى قناة اخرى، هذه النقلة التي لا تكلفه اكثر من «كبسة زر» على ما دأب الصحافيون العرب تكراره في مسعى لتتفيه او التقليل من وعي المشاهد العربي.
عودة الى «صلب» الموضوع
المثال المبسط الذي اورده د.الارناؤوط حول آلية التعامل «التركي» مع ضيف أي برنامج حواري تلفزيوني مباشر او مسجل (لا فرق) والرقي المصحوب بالاحترام والكياسة التي أبدتها القناة التركية بالعربية معه (في الاستضافة و»رمزية» المكافأة) جدير بالتأمل والوقوف عنده وأحسب ان لدى كثيرين منا تجارب مريرة وذكريات أمرّ، مع كيفية تعامل قنوات عربية (وأردنية بالطبع) ومعدّي ومقدمي برامج حوارية مشهورة، مع ضيوفهم (...) ما يغطي او يسوّد صفحات عديدة ستكون في معظمها اكثر كشفاً (حتى لا نقول فضحاً) لكثير من تلك المحطات واولئك الاعلاميين من معدّين ومقدمين، على نحو تبدو جديتها ووقارها اكثر من مصطنع ويدخل تحت باب النصب والاحتيال وسرقة حقوق وجهود وأفكار الغير..
لست ابالغ وما قد ارويه ربما لا يصدق نظراً لغرابته وميل البعض لاعتباره صعب الحدوث نظراً «للهالة» (المصطنعة في واقع الحال) لبعض المشهورين من المقدمين واصحاب البرامج الحوارية الذين يحلو لهم بعد ان يكونوا قد وضعوا على «تترات» المقدمة والنهاية، ان البرنامج او الحلقة المذكورة، من اعداد وتقديم هذا «الجهبذ» الذي غدا مشهوراً في عالم الاعلامي العربي المزيف، والنابت معظمه كالفطر في مياه آسنة (دع عنك حكاية الاستضافة التي تتم بالتخجيل وعبارات التفخيم ومصطلحات العبقرية والعمق التي يخلعها مقدم البرامج على من يريد استدراجه الى فخ حلقته، وهنا اتحدث عن الاستضافة بحد ذاتها، ولم اتحدث بعد عن شَرَك موضوع الحلقة الذي يتغير عنوانها فجأة بمجرد ان تجلس في الاستديو)..
الامثلة عديدة وايراد التفاصيل وخصوصاً حلقات الاستضافة قد تحرج كثيرين لأن امثلة بلا اسماء ستبدو مفتعلة او مشكوكاً فيها وايراد الاسماء والوقائع قد يجر الى احراجات او يقود الى عداوات ويفتح جدلاً وسجالات نحسب ان المرء (بعد ان يكون اكل المقلب او وقع على ما هو اسوأ) في غير حاجة اليه، اللهم إذا اذا استطاع ان يستخلص الدروس والعبر وقليلون هم الذين يدركون الحكمة او يستدركونها.
كل هذا لا يمنعني من ايراد مثال ما يزال يأتيني بالغم والغضب والشعور بمهانة من سرقت حقوقه وجهوده وجيّرها اعلامي أفاق لنفسه محمولة على مبلغ «ضخم» من الدولارات.
... بعد ان التقيته واتفقنا على البرنامج، اسقطتني سذاجتي وخجلي (المبالغ فيه وغير المبرر كما عليّ الاعتراف الان) في فخ عدم معرفة اتعابي وسلّمته ثلاث حلقات (لبرنامج حواري من اصل 52 حلقة) لاكتشف بعد ذلك، وبعدما اطمأن الى انني الشخص المناسب «لتوفير البضاعة»، انه يعرض عليّ مبلغاً تافهاً مقابل كل حلقة وكي يكمل تطويقي وقد عرف مقدار خجلي (...) قال: ان الحلقات تصبح من حقوق الفضائية بعد توقيع الاتفاق.
وهنا وقعت في حفرة اعمق (لسذاجتي بالطبع) فركزت الموضوع على «إسمي» وليس «حقوقي» فتراجع (بعد ان حقق غايته) وقال نكتب فكرة فلان واعداد فلان.. فوافقت لسبب لا اعرفه حتى الان.
سلمته كامل الحلقات وبدأ البرنامج الحواري بالظهور، فإذا به «فكرته واعداده وتقديمه» ذهبت اليه غاضباً واسمعته كلاماً قاسياً، فلاذ بالقسم وأنه لم يكن يعرف، وانها مسؤولية فلان وفلان ووعد بتصحيح الخطأ لكن شيئاً من هذا لم يحدث، قبضت مبلغاً هزيلاً سيسخر مني من اذكر له قيمته، فيما هو حاز على نحو من ربع مليون دولار.
هاتفني وكتب اليّ (الكترونياً).. بعض الاصدقاء والمعارف, الذين زادوا على ما كتبته في – قضايا يوم امس تحت العنوان الذي اكتبه اليوم – وتساءل بعضهم لماذا لا تكتب أيضاً عن مراكز الدراسات والبحث, التي تُمَوّل أجنبياً وتستدرج الى افخافها رهطاً لا يستهان به من المؤرخين والاكاديميين والباحثين, وخصوصاً الصحافيين, حيث «تجود» عليهم بمكافآت هزيلة, بل مخزية, مقابل مشاركة جادة في برامجها وندواتها وورشات عملها, وما تتفتق عنه عبقرية اصحابها أو متعهديها من عناوين وملفات برّاقة, ينتهي أثرها مباشرة بعد حفل الافتتاح وحضور المموّل أو من ينوب عنه, للتأكد من «نوعية» الحضور وعمّا اذا كانت أموالهم لم تذهب سدى, وأنها تركت اثارها على جمهور الحضور الذي «ينعم» غالباً بوجبة غداء أو عشاء في فنادق ذات نجوم لا تقل عن ثلاثة, بات معظمها عارفاً بـ (البير وغطاه)..
أجبت من سألني, أنني لم اهملها عن قصد, بل وضعت جلّ اهتمامي على «تعامل» معظم الفضائيات العربية, وتلك التي «ترطن» بلغة الضاد, التي تستضيفك في الاستوديو او تأتي الى بيتك أو تتواصل معك عبر الهاتف من عواصم عربية وغير عربية, أحياناً لأكثر من ساعة ونيف وفي المتوسط لا تقل عن ربع ساعة, تضطر الى التجاوب معها (ومع مراسليها) لأسباب عديدة, لكنها في معظمها تندرج تحت باب المطاردة بمعناها الحقيقي..
ثمة نماذج عديدة في كيفية تعاطي هذه المحطات مع «ضيفها», الذي ولأسباب تسويقية خاصة بالمحطة ذاتها, تخلع عليه (ضيفها) القاباً وتسميات يعرف المشاهدون أن صاحبنا لا يتوفر عليها, ولهذا بدأت «معظمها» في الاونة الاخيرة , تستضيف أشخاصاً «معينين» يثابر مراسلوها على استضافتهم, لأنهم باتوا في حكم الاعلامي «المحروق» المستعد على الدوام للافتاء في كل شيء والحديث عن أي شيء والرد «الآلي» على أي حدث أو مناسبة, فقط للظهور والبقاء في «الجو» وثانياً لأن «الفتات» الذي يُمنح له, يراه مجزياً أو في داخله يعرف حقيقة نفسه ومستوى ثقافته وقراءاته المتواضعة, فيعتبر أن ليس بالامكان تحقيق شروط أفضل..
مراسل احدى الفضائيات العربية صاحبة الاسم الذي يتردد في «السوق», هاتفني كي أكون ضيف حلقة تتحدث عن الصحافة والتحليلات السياسية, وكالعادة «سطلني» بمعزوفات المديح وإن ادارة المحطة هي التي «ألحّت» بأن أكون «اول» ضيف لأول حلقة في البرنامج الجديد.. ذهبت بعد أن منحني العنوان واصابني عنت وتعب كبيران, لايجاد مكان اركن فيه سيارتي وبدأت رحلة البحث عن الاستوديو الى ان وصلته, ولم يكن الرجل موجوداً بل قادني شاب بلا أي نوع من المجاملة أو الكياسة, الى غرفة شبه معتمة وأوصلني بمقر الفضائية وكان أمامي «مونيتور» أشاهد من ستحاورني وأشاهد نفسي والى أن تم حل «سوءات» ورداءة الخط الهاتفي, انتهى البرنامج بعد نصف ساعة, خرجت الى النور دون كلمة شكر أو وداع من الشاب الذي انهمك في اعادة الغرفة (الاستوديو) الى وضعه الطبيعي.. ولم اسمع بعد ذلك من «المراسل» الجهبذ أي كلمة حتى الان.. لا شكراً ولا مكافأة..
محطات عديدة (بلا فخر) زارتني في مكتبي بالرأي كما في منزلي عشرات المرات, ولم اذكر حتى الان أن أحداً منها كلّف خاطره بأن يخبرني, ولو من قبيل رفع العتب, أن تلك المقابلات بلا مكافأة (اياً كان تسميتها يا د. ارناؤوط), بل إنهم في إلحاحهم كانوا يبدون استعداداً لأن «يأتوني» حيثما اريد في أي وقت أريد.. وكنت أخضع لهم من أسف..
حتى إن احدى الفضائيات الاقليمية, وقد تحدث مقدم البرنامج اليّ من تلك العاصمة الاقليمية المهمة, وحدد العنوان والمحاور ووقت البرنامج (ساعة ونصف), وبعد أن ذهبت الى استوديو تلفزيوني في المدينة الاعلامية المحاذية لمباني مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الاردنية.. اوقعتني في فخ ما يزال حتى اللحظة, وبعد مرور اربع سنوات – فيما أحسب – يؤلمني ويسبب لي ضيقاً, بل أكثر من ذلك, واتساءل حتى الان كيف لي أن أقع في مطب خطير كهذا؟
المهم..
بعد أن «نجحت» في الخروج من الفخ وأخذ مقدم البرنامج ومحاوريّ الاثنين بعيداً عن «الفخ», خرجت من الاستوديو الى سيارتي, دون أن يعيرني أحد من طاقم الفضائية المذكورة, التي كنت اشاركها برامجها عبر الهاتف كثيراً, أي اهتمام أو مجرد ابلاغي أن «جهدي» المذكور غير مأجور (عظّم الله اجركم)..
وإذ يجب أن لا يغيب عن ذهن أحد, أن معظم الفضائيات تتبع لدول نفطية, لا تعاني مشكلة في «الدفع» فإن الأمور محمولة على احتمالين, إما أن «المكافأة» تقيد ويقبضها آخرون, أو أن «المبالغ» تترك لتتراكم, وبعدها تشطب بفعل التقادم..
هل أنا هنا أتهم أحداً؟
بالتأكيد نعم, وأول من أوجه لهم الاتهام هو شخصي ومن هم مثلي, الذين يجأرون بالشكوى ويشعرون بالمرارة لأنهم يتجاوبون مع «منابر» كهذه..
ماذا عن التلفزيون الاردني؟
تماماً, كما هي الاذاعة الاردنية, لا تدفع لضيفها الاردني, ولا أعلم إن كانت تدفع لغير الاردنيين, لكن العبارة التي دأب مسؤولو التلفزيون وكوادره يرددونها على مسامعنا, بأن الميزانية متواضعة وان قيمة المكافأة المقررة «مخجلة», لم تعد تقنع أحداً, ولهذا ليس مستغرباً اعتذار كثير من الاعلاميين والكتّاب عن المشاركة في برامج الاذاعة والتلفزيون المختلفة!!.
Kharroub@jpf.com.jo
الراي.