الوصاية الهاشمية وإدراك الأقصى قبل الضياع
د.محمد عبدالجبار الزبن
11-06-2023 05:44 PM
بدأت القصة في "باب الواد"، وهو الطريق الذي سلكه السلطان صلاح الدين الأيوبيّ عام: 1187م. لتحرير المسجد الأقصى من هيمنة الرومان عليه، وفي "باب الواد" التحم اليهود عام: 1949م لدخول القدس، يومها امتنع على اليهود اقتحام المسجد الأقصى، لنكتب قصة الدفاع عنه، ونحوك ذكرياته يوم كنّا وكان، وأمنياتنا في عودة الزمان والمكان، ونذرف الدموع على ما كان وكان، وأصبحنا نمتلك قصصا نرويها للأجيال، قال جدّي: كنتُ أصلّي في المسجد الأصى من غير إذنٍ من الاحتلال.. عجبًا!! هل صحيح ما يرويه جدّيْ، أم أنه غير جدّيّ؟.
يومها كان الجيش العربيّ للمحتلين بالمرصاد، وتكاتف أهل القرى على جنبتيْ باب الواد بملحمة جعلت اليهود يقفون عند حدود احتلال فلسطين عام: 1948م. واكتفى بمجازر دير ياسين ودير البقر، وكفر قاسم، وما أخذه من أرض فلسطين، التي قدمت أشلاءَ ودماءَ الطاهرين اختلطت بتراب فلسطين، في نكبة كتبت الأيام عنها أنها ليست على الفلسطينيين فحسب.
وفي عام: 1967م. يمَّم الاحتلالُ صوبَ القدس، فأصاب كبدَ الأمة بجرح ما زال ينزف، وبآلام نلاقيها في عواصم عربية متعددة، فقد كان التباعد سببا لكلّ هزيمة لحقت بنا، ومع أنّ الأردنّ بذل الوسعَ وقدم كما كان من ذي قبل الشهداء الأبرار على أسوار القدس، ومنّ الله على الأردنّ بانتصار مؤزّر في معركة الكرامة، بُعيدَ النكسة بسنة.
إلا أنّ القصة لم تنتهِ، فقد حظيت القيادة الهاشمية بتشريف وتكليف بالوصاية الهاشمية على القدس والمقدسات فيها، وتلك الوصاية المعترف بها، جعلت رعاية المسجد الأقصى متاحة، ورفعت الصوت عاليا عند كلّ انتهاك له من قبل المستوطنين وغيرهم.
واليوم.. يريد أحد أعضاء الكنيست من حزب الليكود أن ينهيَ قصة الدفاع عن المسجد الأقصى، بقرارات راح ينادي بها، وغاياتها الالتفاف على القدس والمقدسات، ونزع روح النداء والاستغاثة عند المقدسيين، فهل ستدرك الأمة مسجدها الأقصى قبل أن يتحوّل إلى ذكريات ونقول حينها: كان هنا قبلة المسلمين الأولى؟. وهل سيؤازرُ المسلمون والعرب وأحرارُ العالم، الهاشميين أصحابَ الوصاية الشرعية على المسجد الأقصى؟.
وما يطالب به عضو الليكود خطير جدًّا، مما حدَا بأهل القدس أن يقرعوا أبواب الأحرار وأصحاب القرار، لأنّ أجراس العودة لم تقرع، ومع أنّهم يبثون شكواهم إلى الله العليّ القدير، إلا أنّ تنبيه المسلمين والعرب أصحابَ الحقّ في قبلتهم والأولى ومسرى ومعراج نبيّهم – صلى ربّي عليه وسلَّم- إلى السماء، فلعلّهم يشدون الرحال، قبل أن تشتدّ الحال والحبال، على أعناق المقدسيين فلا يستطيعون رفع الصوت فوق طاقاتهم، وهم المرابطون حول أقصانا وأقصاهم.
وجاء النذير في نداء الهيئة الإسلامية العليا وهيئة علماء المسلمين وكلاهما في القدس، من أنّ دعوى عضو الليكود إذا كان مصيرها إلى التنفيذ، فهي تعني صبَّ المصائب صبًّا، في مأساة لا يقاس بعدَها بما كان قبلَها، ومن مضمون ذلك:
أولا: يريدون تقسيم المسجد الأقصى، فالمسجد القِبلي للمسلمين وما عداه لليهود يغدون فيه ويروحون، ويشاركوننا في الذي لنا ولا نشاركهم بالذي لهم.
ثانيا: التخلّص من الدور الأردنيّ في المسجد الأقصى. وهنا ننبه إلى أنّ الدور الأردنيّ في المسجد الأقصى حقّ أولا، ثمّ حقيقيّ بالقانون والأرقام وهو الذي يؤرقهم وهو المتمسّك القويّ بين أيدينا اليوم، فلا نفرّط به أبدًا، وبالمؤازرة تستمرّ المسيرة.
ثالثا: السماح لليهود بالدخول من أيّ باب إلى المسجد الأقصى دون قيد ولا شرط.
وأخيرا.. يستغيث المقدسيين قائلين: (إنّ هذا المشروع الخطير يعرِّض الأقصى للضياع وفرض السياسة الإسرائيلية الاحتلالية عليه، فيجب على العرب والمسلمين أن يتحركوا بشكل جَدّي وفاعل وحازم إزاء هذه الخطوة المزعومة).
فهذا نداؤهم تسمعه آذاننا.. فهل سمِعته قلوبُنا؟، أم أننا نأخذ جانبا ويكأننا لم نسمع!!.
د. محمد عبدالجبار الزبن
agaweed1966@gmail.com