فاز أوردوغان .. ما هو الجديد؟
د.حسام العتوم
11-06-2023 12:16 PM
يتمتع الرئيس التركي طيب رجب أوردوغان حسب وجهة نظري بكاريزما وشخصية مرموقة رفيعة المستوى تركيَّا وفي الإقليم والعالم، وهو من نهض ببلاده بقوة وفق رسم بياني متصاعد على مستوى البنية التحتية ومنها الإقتصاد والسياحة والعسكرة تحديدا، وعلى مستوى توازن السياسة الخارجية، وعرف بتقلب سياسته وعدم ثباتها خدمة لمصلحة تركيا الوطنية والقومية العليا، وهنا أبارك للسيد الرئيس أوردوغان فوزه الصعب من جديد في الإنتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرا عبر توقيتين زمنيين، كان أولهما بتاريخ 14 أيار 2023 عندما حصل على 49.52% من أصوات الناخبين البالغة نسبتهم 89% والتي هي الأعلى في تاريخ الإنتخابات التركية، ولم يتمكن وقتها أمام المعارضة من تجاوز نسبة ال 50% + 1 بحصول المعارض الأبرز كمال أوغلو على 44.88 % من الأصوات بإسناد من حزب الشعب، وبإصرار أوردوغان وحزبه العدالة على الفوز فحقق نجاحا قويا وفي وقته وزمانه بنسبة مئوية من الأصوات بلغت 50.18 % مقابل 47.82 % لمنافسه المعارض أغلو بتاريخ 28 أيار 2023، وتمكن من تثبيت عرش تركيا في السياسة الخارجية المتوازنة بين الغرب الأمريكي والشرق الروسي والصيني والإيراني ومع جنوب العالم الإفريقي، وركز في خطاب فوزه على أهمية التركيز على الداخل التركي والنهوض أكثر بالبنية الداخلية التركية بعد ما أصابها جراء الهزة الأرضية واستقطاب للنازحين السوريين والإصطدام مع النسيج الكردي، وأول شخصية دولية قدمت للمباركة بفوزه كان ممثل حلف " الناتو" الأمين العام يتس ستولتتبرغ، ليضمن عدم انفلات تركيا عن عقالها الغربي وهي المعروفة بقرب علاقاتها مع روسيا الاتحادية ومع الصين الشعبية ومع ايران ومع جنوب العالم الإفريقي .
وكان من الممكن لأوردوغان وحزبه الفوز في الإنتخابات الرئاسية من الجولة الأولى مجددا لو اقترب أكثر من صنوف المعارضة التركية ممثلة بالنسيج الكردي خاصة عبر حزب (هدى يار) وعمل على محاورتهم، ولو أفرج عن الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، لكنه اكتفى بتحالفه مع حزب الرفاه الجديد بقيادة فاتح أربكان نجل الزعيم المؤسس نجم الدين أربكان الحاصل على خمسة مقاعد برلمانية، وعرف أوردوغان بقربه من الغرب وحلف ( الناتو )، وبقربه من روسيا الإتحادية ذات الوقت، ومن دول شرق وجنوب العالم، وبصداقته مع العرب وتحديدا مع مصر العربية ومع سوريا أيضا، وعلاقته مع الأردن ثابته لا تتغير تمسكا بسياسة الميزان، وسبق لأوردوغان أن اعترف بالقرم ضمن السيادة الأوكرانية لمكوثه فيها (60) عاما منذ زمن نيكيتا خرتشوف وحتى عهد فلاديمير بوتين، ولم يستشير موسكو في قراره، وهي التي سحبت (القرم) من السيادة الأوكرانية بعد انقلاب "كييف" غير الشرعي عام 2014 الذي استهدف طرد الحضور الروسي واستبداله بغربي وتقريب " الناتو" من أوكرانيا، وهو الذي لم ولن تقبل به روسيا تماما كما فعلت في العهد السوفيتي مع أفغانستان وسط هيجان الحرب الباردة، وتوجهت روسيا الى الأمام عبر المادة القانونية من ميثاق الأمم المتحدة رقم 517 ومن خلال صناديق الإقتراع والحماية العسكرية لضم أقاليم (القرم والدونباس) طوعًا حماية لمواطني الأقاليم الأوكران والروس والتتار، ولمنع "كييف" من مواصلة ارتكاب جريمة الحرب بحقهم وضمهم قسرا، وهي التي استمرت عبر ثماني سنوات وأكثر ( 2014 2022 2023) ولا زالت مستمرة متسببة بمقتل أكثر من 15 الفا من أصل سبعة ملايين انسان، ونهاية العملية فإن الحرب غير معروفة ملامحها حتى الساعة، وتوقع للرئيس الروسي السابق نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف باستمرارها عشرات السنوات عبر أكثر من هدنة، وهو أمر مرعب للبشرية جمعاء في ظل افشال كافة محاولات رأب الصدع واطفاء حريق الحرب من قبل العرب والصين وماليزيا وأوروبا، وثمة دول عالمية تتفهم الحرب وتنصف روسيا وغيرها أكثر انحازت للغرب تحت مظلة الفوبيا الروسية والإعلام المضاد والإشاعات المغرضة، والظاهر هو غلبة الفوبيا والإعلام المضاد والإشاعات على إعلام المكاشفة بالحقائق، ولم تتوقع روسيا ثورة الغرب بوجهها بعد الإختلاف على معايير سيادة أوكرانيا من زاوية القانون الدولي .
ولقد سبق لروسيا أن اختلفت مع "تركيا - أوردوغان" بعد حادثتي اسقاط طائرة سوخوي 24 الروسية فوق الأراضي التركية والسورية عام 2015، واغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف في أنقرة عام 2016، وتجاوزت موسكو الحادثتين للمحافظة على علاقة مستقرة وكبيرة مع العاصمة أنقرة، وسبق لتركيا أن لعبت دور الوسيط السري بين تل أبيب ودمشق لتثبيت السلام بينهما ولإعادة الجولان -الهضبة العربية السورية عام 2008- وفي عام 2011 اختلفت تركيا مع النظام السوري بعد اندلاع الربيع العربي السوري وتحوله لحالة رعب مست الشعب السوري مباشرة، ولدخول الإرهاب الى سوريا قادما من 80 دولة عالمية، وتسيطر تركيا حاليا على الشريط السوري الشمالي وتحتضن ذات الوقت أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين الذين يفوق تعدادهم ال 3 ملايين سوري، ولم يهدأ الصراع التركي مع الأكراد الذين يطالبون بحكم ذاتي يصعب تحقيقه لتواجدهم في تركيا وسوريا والعراق -كردستان- وفي أذربيجان، وأرمينيا، والملاحظ هو أن "تركيا أوردوغان" تنهض اقتصاديا عبر التجارة الحرة والسياحة والتصنيع العسكري، ومطار اسطنبول الجديد لوحدة يتسع لـ 150 مليون زائر ويتضمن فنادقا وسوقا تجاريا كبير، ومؤخرا أنتجت تركيا طائرة عسكرية بمستوى الأمريكية F16، وسبق أن اشترت ترسانة حديثة من صواريخ C400 الروسية الصنع، واختلفت مع اسرائيل بعد حادثة سفينة مرمرة عام 2016، ثم عادت وطبعت علاقاتها مع تل أبيب عام 2022، ولا ثبات في السياسية التركية وانما تقلبات تخدم المصلحة الوطنية والقومية التركية العليا .
وما يمكن أن يستفاد منه من النهج التركي المتواصل هو البحث الدائم عن التوازن الإقليمي والدولي، والنجاح الاقتصادي على مستوى التبادل التجاري مع دول العالم، والتميز في الخدمات السياحية الوطنية المستقطبة لشعوب العالم، والتمسك بصرامة الأمن الداخلي، ( حجم التبادل التجاري مع العرب وحده مثلا وصل الى 66 مليار دولار، وحققت تركيا أعلى معدل صادرات 23.4 مليار دولار، و46 مليار دولار عائدات سياحية، وهكذا دواليك) .