ردًّا على الكبير أحمد سلامة
كامل النصيرات
09-06-2023 12:32 PM
أعترف بدايةً أنك بمقالك "العِقد" عني قد طوّقتني .. وأخذتني من يدي ورميتني في لُجاج الورد؛ فصرتُ حيث يممتُ فاز أنفي بكبرياء العطور وفازت عيناي بكل أشكال الجَمال..!
وأنا أقرأ كلمات "كبير" هو أنت؛ وكما يقول والدي – أطال الله عمره - : "أنت أكبر منّي في الثنتين".. لم أتمالك نفسي؛ فشهقتُ وكانت شهقة الحابس أنفاسه كالأطفال الصغار؛ ووقفتُ وجلستُ وتمددتُ و ركضتُ .. بل بكيتُ.. أي والله بكيتُ..! أحمد سلامة مرّة واحدة؟! سيعجب بعض الكثيرين الآن وسيرون هذا الكلام تسحيجًا وتفحيجًا و"مش هيك يكون الرد".. لكنّهم من الآن معذورون؛ فهم لا يعلمون حكايتي مع " أحمد سلامة" والتي لا يعلمها حتى هو..!
لا يعلمون ولا تعلم أنني كنتُ ذلك الفتى الذي يطوف شوارع مخيم البقعة من ساعات الفجر إلى الضحى مشيًا على قدميه وهو يبع متجوّلًا جرائد (الرأي والدستور والذبيحة "صوت الشعب").. وحين يريد أن يستريح ذلك الفتى من التجوال يهرع إلى حجر أو بقايا مَجلَس ويهرع معه إلى جريدة الرأي كي يقرأ أحمد سلامة..!
أتعلم يا أحمد يا سلامة أنني كنتُ أكرهك.. فأنت "كاتب سلطة وكاتب ملوك".. وأنا المتمرّد والمعجون بالغضب على السلطة ومن لفّ لفيفها..! أتعلم أنني لم أفكّر للحظة بأننا سنكون دموع الآخر للآخر بل كنتُ أعتقد كما تعتقد العرب دائمًا : أننا على فرسي رهان ورهاني هو الرابح..! أتعلم حين اتصلتُ بك واتفقنا على اللقاء في بيتك العامر بتفاصيلك كي نناقش استضافتك في برنامجي التلفزيوني "تنفيس مع أبو وطن"؛ أتعلم أنني تندمتُ بل أوغلتُ في الندم حدّ اعتبرتُ نفسي أرتكب جريمة سقوط مدوٍّ..! حتى كان اللقاء وكان سحرك ورأيت وقرأتُ بكامل حواسي الظاهرة والباطنة من هو أحمد سلامة.. أبو رفعت الذي ظلم نفسه ألف مرّة وقدّم صورة "المصلحجي" المزيفة بديلًا عن صورة العالم والمفكّر.. فالغالبية يرونك "تاجر لُغة" تقدّم الحرف على الحرف كي تكسح خصوم الأسياد.. ولا يعلمون أنك "تشيل اللقمة الوحيدة من فمك وقت جوع وتطعمها لجائع تعرفه أو لا تعرفه..! وقد شهدتُ بنفسي مواقف لك وأنت "تبعزق بمصاريك" ذات اليمين وذات الشمال .. وكأنك من أحفاد "عروة بن الورد" و"تأبط شرًّا" ولكن ببدلة أنيقة وربطة عنق وحذاء بالشيء الفلاني..!
ما يربطني بك عجيب.. لسنا نقيضين ولكننا كذلك.. أنت الغارق حدّ التيه ضدّ غضب الناس وأنا القادم إليك من هذا الغضب وإن كنتَ الغاضبَ أحيانا كثيرة أكثر منّي إذا كانت "فلسطين" هي القِبلة والقُبلة..!
أنتَ "خنّاقي" وأنا ذلك القطّ الذي يحبّك الآن.. لأنه يدرك ما أنت وما هي الصحراء التي زوّدتك بِـ حَرّتها ودُرّتها..!
أما حكايتي مع التوجيهي "على كَبَر" وما قلتَ بأنها تتشابه مع معظم القصص الأردنية.. فلا.. قد تتقاطع الحكاية في العنوان مع الكثيرين ولكن المتن و حشوه مختلفان..! فلا يوجد في حكاية أحد في التوجيهي قاصّة وروائية مبدعة اسمها هديل الرحامنة تأخذه ذات غفلة وتدفع رسومه وتشتري كتبه وتجبره على اجتياز الامتحانات دون علم أحد من أهلها وأهلي والدنيا كلّها..! ولا يوجد في حكاية أحد أحمد سلامة قال له على الدوار الثالث: أنت عباس العقّاد الأردني ولكن لا تركب رأسك مثله وتصبح بلا شهادة.. العمر و الوقت أمامك.. الزمن ليس زمن العقّاد.. وحين قال لك: والمصاريف؟! نهرتَه وقلت له : بدّك دروس في "فرج الله" توكّل عليه ولن يخذلك..! فأقسم حينها أن يكون عقّادًا بلا عُقَد..! ولا يوجد في حكاية أحد ابنة اسمها " بغداد" كانت "تقدّم توجيهي" فسرق أبوها كتبها وملخّصاتها و"تستات بانكاتها" وأقنعها أن هناك من يحتاجهم وراح يقرأهم سرًّا؛ هي تقدّم امتحاناتها في عمّان وهو يقدّم ذات الامتحانات بذات الوقت في الغور..! ولا يوجد في حكاية أحد شاهدًا على التعليم وخرابه ومداخله ومخارجه مثلي.. فالذي مرّ بي لا يمكن السكوت عليه ولكنني سأسكت الآن لوقت قريب أبث فيه جلاجل وأثير فيه عواصف ورياحًا ..!
نعم أنا الآن في الجامعة.. وأنهيتُ فصلي الآول بتفوق راضٍ عنه .. ولكن يا صديقي.. زملاؤنا يحفلون ويحتفلون بأربعيني أخذ التوجيهي ويجعلونه "ترندًا" وينقلون خبره "كوبي بيست" في كلّ المواقع ولكنهم لم يلتفتوا إلى خمسيني زميل حكايته مختلفة وتفاصيله مختلفة وهو بينهم وبين الناس نارٌ على علم..! بل حتى لم ينشروا خبر مباركة صغير في ذيل أخبارهم.. مع أن المواقع الالكترونية لا ينقصها المساحات ولا ترتيب أولويات الأخبار..!
لا عليك يا صديقي.. أنا الآن في حياتي الجديدة التي ساهمتَ في "دزّي" إليها دزًّا.. وكما تعودتُ في كل معاركي منذ نعومة أظافري إلى خشونتها ومنذ شعري الأشقر حين كنتُ "أجمل طفل في الشرق الأوسط" حسب تعبير أمّي – أطال الله عمرها- إلى شيبي الذي يسابق دقّات الساعة؛ فإنني لن أصغي للضجيج.. بل أنا أستاذ في عدم الاصغاء؛ ولو التفتُ لأول ناقد كاذب لما كتبتُ قصيدتي الثانية ولا مقالتي الثانية ولا مسرحيتي الثانية ولا كلّ شيء له سلاسل طويلة في حياتي..! ويوميّاتي في الجامعة الأردنية بشخصية "بابا سنفور" سأظل أقصّها كلّما سنحت الفرصة حتى أتخرّج وأعيد صياغتها من جديد وأكتب فيها تفاصيل لا أستطيع كتابتها الآن بأسماء أشخاصها ومواقفهم وتفاصيل أخرى..!
دعني أصارحك أكثر.. مستوى الأنا يرتفع عندي وحجمها يتضخم.. فأنا أكبر بك وبمن يشبهونك قدرًا وقيمة وعلمًا.. ولا أجعل "دهماء المتثاقفين" يغلبون اللامع والحقيقيّ فيّ.. في ذروة الجوع والعطش والانهاك أراني أسدًا جادت به الصحراء ولا يضير الأسد النباح مهما علا أو تعالى..!
أسعدتني وأكرمتني.. وأحمد الله على السلامة بك .. لأنك تعرف علامات الترقيم التي تعطيك الفهم الصحيح للكلمات والجُمل والفقرات ولأنك تعرف كيف تقرأ وكيف تكتب.. وإن كنتُ أختلف معك في الكثير فإن الأكثر يجمعنا..!
وعمّا قريب ستعمل لي حفلة على شرفي تدعو عليها من تشاء لأنك أضفت ل"كامل النصيرات" شهادة جامعية من الجامعة الأردنية.