غسان طنش .. ذاكرة اثقلتها المعاناة
غسان طنش
د. صبري ربيحات
09-06-2023 10:28 AM
اليوم حملت لنا الاخبار رحيل واحدا من اهم وافضل من عملوا على خدمة قطاع الثقافة في العقود الثلاثة الماضية.. الزميل غسان طنش احد أركان وزارة الثقافة وصديق كل العاملين فيها والقريب من كل من يتعامل مع الوزارة او يطلب خدماتها يرحل اليوم مخلفا سيرة زاخرة بالإنجازات ومعطرة بحب وتقدير الزملاء والزميلات العاملين في القطاع الثقافي ومئات الهيئات والكيانات الثقافية التي حرص على ان يكون وجه الوزارة البهي والمخلص في التعامل معها وخدمتها.
لقد تشرفت بزمالة الراحل النبيل في عام ٢٠٠٩ عندما كلفت بحقيبة الثقافة وفي ظرف تعج بها أجندة الوزارة بمشروعات كبيرة استطعنا بتعاون الزملاء وتفانيهم ان نسرع دوران العجلة ونوصل الليل بالنهار بعدما اتخذ العمل في وزارة الثقافة ديناميكية تتطلب حضورا اكثر وتنسيقا واسعا ودقيقا بين الزملاء والزميلات الذين وضعوا اوقاتهم الخاصة في خدمة العمل الذي تجاوزت متطلبات حدود الواجب.
وسط مشروعات الكرك مدينة الثقافة الاردنية والقدس مدينة الثقافة العربية ومهرجان الاردن في اكثر من سبعين موقعا والتوسع في مشروعات مكتبة الاسرة والتفرغ الإبداعي ومطالبة المدراء في إدارة فعاليات منتظمة ومنوعة ضمن اختصاصاتهم وادخال مفاهيم التجميل لمداخل المدن والبرامج القرائية للأطفال في الأطراف ودمج الحركة الفنية والفرق الفلكلورية والحرف اليدوية في انشطة الوزارة كان غسان طنش حاضرا كجندي على اهبة الاستعداد..
لم اسمع يوما ان أبا مهاب قد اشتكى او تذمر او قابل أحدا من زملائه دون أن تكون البسمة الدافئة على مساحة وجهه السمح الشكور. فقد كان يسبقني إلى كل موقع وانا الذي اعتقدت اني اسابق الشمس..
ففي ذات يوم كنت قد أبلغت ابو فادي سائق سيارة الوزير بأن علينا ان ننطلق الى معان لنصل اليها قبل الثامنة صباحا لافتتاح بعض المعارض والالتقاء بالمحافظة والمدراء لشرح غايات مهرجان الاردن وأهمية مشاركة الفرق الفنية والفلكلورية العالمية التي ستجوب محافظات الاردن.. ولم اتوقع ان اجد مدير هيئات الثقافة قد وصل قبلنا الى معان..
نعم، لقد كان غسان مثالا للموظف الاردني المؤمن بواجبه والمستعد للخدمة العامة تزين روحه المواطنة الفاعلة والاخلاص في العمل فلقد كان المثل والقدوة لمن يعطي الى بلده وعمله بلا منة..
لا أحد يعرف هموم الهيئات الثقافية ومعاناتها كما كان يعرفها غسان فهو على دراية ووعي بكل فكرة ونشاط قامت او تنوي القيام به هيئاتنا الثقافية.. يقلب الملفات ويعرف الاشخاص ويؤمن بأهمية اشتباك المسؤول مع الواجب وتلمس احتياجات الميدان..
كان غسان دبلوماسي بالفطرة يشعر بما يشغل الناس ويتقن التواصل ويتجاهل الهفوات ولديه فهم شمولي يدرك بغرائزه الأشياء والى ابعد الحدود، يهمس في اذنيك باقتراحات صائبة ويؤدي العمل العام وكأنه يخدم بيته واهله..
برحيل غسان تفقد البيروقراطية الاردنية نموذجا من أفضل نماذجها وكفاءة من خيرة الكفاءات وانسانا محبا لبلده وشعبه وأمته ومخلصا لكل معاني القسم..
تعازينا الحارة لأسرة غسان ورفاقه ومحبيه وإنا لله وإنا اليه راجعون..