منذر حدادين .. بين الانشطار النووي واحتكاك الصوان وحرق القش والاغصان
السفير الدكتور موفق العجلوني
08-06-2023 02:34 PM
لا اعرف حقيقة لماذا اعشق هذا الرجل؟ -علماً انه لا يعرف ذلك-، باعتقادي ان هنالك الكثيرين يشاركوني هذا العشق، فهو من المؤمنين الأوفياء المخلصين لوطنهم ومليكتهم وامتهم ويستحق كل تقدير واحترام، انه العلامة وصاحب المعالي الدكتور منذ حدادين، والذي دخل قلبي منذ ان كنت في ريعان الشباب وكنت لتوي تخرجت من جامعة دمشق بكالوريوس لغة انجليزية وآدابها ولغات أوروبية في الثمانينيات، والتحقت بالمجلس الوطني الاستشاري حيث كنت في استقبال السيد جو كلارك وزوجته الجميلة مورين والوفد المرافق، رئيس حزب المحافظين الكندي والذي كان مرشحاً للرئاسة الكندية، وكنت مرافقاً للوفد بتوجيهات دولة المرحوم الأستاذ احمد اللوزي أبو ناصر رئيس المجلس الوطني الاستشاري في حينه، حيث استقبلنا الوفد على جسر الملك حسين قادماً من الضفة الغربية، وكان بانتظارنا معالي الدكتور منذر حدادين في استراحة سمو الامير الحسن في الغور، كانت تلك الشخصية الكرزماتية صاحبة الثقة والانطلاقة بلغة انجليزية بلهجة أميركية واثقة من نفسها، انطلق بالشرح عن سلطة وادي الأردن للوفد الكندي معززة بالخرائط والبيانات، منذ تلك اللحظة دخل في القلب ولم يغادر قلبي هذا العشق.
ما دعاني للكتابة حول الدكتور حدادين، المقال الذي جذب اهتمامي والذي يحمل الامل الكبير في حل مشكلة الطاقة ومشكل المياه في الأردن، والمنشور في صحيفة الرأي الغراء و عمون الغراء يوم امس بعنوان "فعلوها وسيفعلون "، واعتقد يجب على المعنيين في الأردن وخاصة هيئة الطاقة النووية الأردنية وبالذات الدكتور طوقان، ان يولوا هذا الامر جل اهتمامهم، وان تقوم جامعاتنا بالتركيز على هذا الموضوع الحيوي الهام وان يكون لدينا تخصصات دقيقة في جامعاتنا في هذا الشأن، وبدل أن يكون ابناءنا الخريجون بعد تخرجهم عاطلين عن العمل، أن يكونوا مبدعين في مجال الطاقة النووية والاندماج النووي، وان يكونوا خبراء يستفاد منهم على مستوى الوطن وعالمنا العربي .
يقول الدكتور حدادين، الذي فعلوه يداعب أحلام العاملين في المياه وفي الطاقة لما لهذه الأحلام من تأثير على معيشة الناس بل على تطور مجتمعاتهم ودولهم، وكان الفاعلون في الغرب حيث ابتدأ الحلم في الولايات المتحدة وتكرر فعلهم في الشرق حيث جمهورية الصين تتخطى المتوقع، ثم عادوا مؤخراً ليداعبوا أحلامنا من المملكة المتحدة وكرروا ذلك في مطلع الشهر الماضي حيث أنجز تآلف باحثين من شركة توكاماك للطاقة بالمملكة المتحدة ومن جامعة برنستون ومختبر أوك ريدج الوطني وكلاهما من الولايات المتحدة، ما يعزز أملنا في انتاج طاقة بالاندماج النووي، وكانت الطاقة المنتجة في كافة الحالات أكثر من الطاقة الداخلة لتسخين البلازما وإنتاج الطاقة، وهو ما يعني توليد طاقة بالاندماج النووي تكون في نهاية المطاف صالحة للاستعمال التجاري وبكلفة بسيطة للغاية.
ويضيف الدكتور حدادين، الجديد الذي أطل علينا من المملكة المتحدة في الشهر الفائت هو اختراق تكنولوجي واضح في انتاج طاقة بالاندماج النووي كما فعلت مختبرات سابقة، منذ نوفمبر من العام الماضي، استمر لجزء يسير من الثانية وبكمية أكبر من تلك المستعملة في التفاعل، لكن باستعمال مفاعل مختلف، تفاحي الشكل أصغر بكثير من المفاعلات كعكية التكوين وكبيرة الحجم ومعقدة التشغيل التي استعملها السابقون لهذا الاختراق.
وحول السؤال الذي طرحة معالي الدكتور خالد طوقان رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية على مسامع المحاضر السيد سام آلتمان رجل الأعمال الأميركي ومؤسس شركة OpenAI للذكاء الاصطناعي، حيث أجاب: " إن توظيف الذكاء الاصطناعي لتوليد الطاقة بالاندماج النووي يراود الأذهان"، ويعطي جوابه هذا دفعة للأمل في تحقيق الحلم لتوليد الطاقة بالاندماج النووي سيما وأن رجل الأعمال هذا قد أسس أيضاً شركة للطاقة (بالاندماج النووي) هي شركة هيليون، وقال في جوابه المختصر: "أن شركته ستقوم بإجراء عرض عمله لإنتاج طاقة الاندماج النووي في العام القادم، "و أضاف السيد آلتمان ، رداً على سؤال الدكتور طوقان ، من احتمال توليد شركته الطاقة المنشودة تجارياً بحلول العام 2028 .
ويعقب الدكتور حدادين بالقول: ويقيني أن تحقق هذا الحلم سيفتح صفحة جديدة في تطور البشرية كما فعلت اختراعات توليد الطاقة منذ إحراق القش والأغصان باحتكاك الصوّان إلى توليدها بالانشطار النووي الذي أخذ انتشاره بالانحسار لما يلازمه من مخاطر بيئية شرسة.
ولا تحمل تكنولوجيا الاندماج النووي مخاطر غير اعتيادية، وستكون الكلفة التشغيلية في متناول الفقراء ومحدودي الدخل، ويمكن تزويد سكان العالم بطاقة كهذه دون كبير عناء.
وكما ورد في القران الكريم : " وجعلنا من الماء كل شيء حي" ، وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا" يضيف الدكتور حدادين: أن الطاقة والمياه توأمان، وما دورة المياه على كوكبنا إلا النشاط المشترك لهذين التوأمين، فمن سقوط المياه يمكن توليد الطاقة، والمياه العذبة تتوفر لسكان الأرض من مياه الأمطار التي بدورها منتج من تبخير طاقة الشمس لمياه المحيطات وتتشكل السحب تسوقها طاقة الرياح إلى اليابسة لتسقط عليها وتجري بفعل طاقة الجاذبية إلى الأجسام المائية من حيث أتت، كما جاء في كتابه العزيز في سورة النور اية ٤٣ : " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ" صدق الله العظيم .
وبالتالي تمكن الإنسان من اختراع التكنولوجيا التي تستولد المياه العذبة من تلك المالحة، وتكنولوجيا التناضح العكسي مثل على ذلك، ويضيف الدكتور حدادين: إلا أن عملية التحلية تستهلك من الطاقة ما يجعل كلفة التشغيل باهظة ناهيك عن كلفة ضخ المياه المحلاة إلى حيث مناطق الاستهلاك، ولذلك فإن اختراع تكنولوجيا لتوليد الطاقة الرخيصة (وهي طاقة الاندماج النووي) يجعل من تكنولوجيا التحلية حلاً سحرياً لمشاكل نقص الموارد المائية في العديد من الدول النامية.
ونظراً لتوفر كافة الامكانات الطبيعية لدينا في الأردن، وللخبرة الطويلة والامكانات العلمية والعملية التي يتمتع بها الدكتور حدادين على المستوى الدولي، حان الوقت ان يكون للدكتور حدادين دور اساسي وقيادي وتوجيهي وبالتعاون مع الدكتور طوقان وكافة الجهات المعنية في المملكة على المستوى الحكومي والقطاع الخاص، وان تفكر مليّاً قبل ولوج ميدان تحلية المياه في العقبة وضخها إلى مناطق الاستهلاك قبل توفر طاقة الاندماج النووي لأسواق العالم، ويمكن كما أشار الدكتور حدادين الاعتماد على المياه الجوفية العميقة الوفيرة جداً في طبقة الصخر الرملي تحت كافة الأراضي الأردنية إلى المدى الزمني الذي عنده تتوفر طاقة الاندماج النووي فنعتمد عليها لتحلية مياه البحر وضخها للاستهلاك، وبخلاف ذلك ستواجه مشروع الناقل «الوطني» للمياه مشكله، وهو علو كلفة المياه التي سينقلها من شاطئ البحر إلى مدن المملكة البعيدة والمرتفعة إلى مستويات لا يستطيع المستهلك تحملها، فنلجأ إلى دعم الاستهلاك وهو وصفة شائنة لاقتصاد يرنو إلى الإنفاق الرأسمالي من أجل النمو وتوفير فرص العمل للداخلين إلى سوقه.
واعتقد ان كافة الأردنيين يشاركون الدكتور حدادين هذا الحلم وانا اولهم، والذي ينقلنا من "مرحلة احتكاك الصوان وحرق القش والاغصان.. الى مرحلة الاندماج النووي" والطاقة الاندماجية لخدمة البلاد والعباد وتحقيق ما يستحقه الوطن وقائد الوطن والشعب الاردني من تقدم ونماء.. والله ولي التوفيق.
شكراً لمعالي الدكتور منذر حدادين..
السفير الدكتور موفق العجلوني
المدير العام /مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me