التطور السياسي في بلدنا سيكون مرهوناً بمدى نجاح التجربة الحزبية ، ولذا فليس امام النشطاء والمثقفين واصحاب الفكر وكل من له وجهه نظر في الحياة العامة سوى الالتحاق بالاحزاب، ولكي تنطلق مسيرة هذه المؤسسات الوطنية، وتضطلع بمسؤولياتها الكبيرة التي اتاحها لها التحول الاصلاحي الاخير في الاردن، ولاتاحة الفرصة امامها للانتشار سريعا في النسيج الاجتماعي الاردني، وكي تساهم مع بقية مؤسسات المجتمع المدني في انجاح توجهات الدولة الرامية الى تعبيد طريق المواطنة، والتي ستخطو فوقها الاجيال القادمة بطمأنينة ، وبكل ثقة بالمستقبل.
فعلى عاتق الاحزاب الحديثة تقع مهمة الاندماج الاجتماعي، وتنقية الحياة العامة من شوائب الولاءات الضيقة.
وهي صيغة سياسية سليمة تنظم المجتمع على اسس فكرية وبرامجية. ولدينا مساحة من الامل ان تجد هذه الاحزاب طريقها الى وعي الناس .
وهذه المهمة الكبيرة منوطة بهذه الاطر في الرؤية الاصلاحية التي شرعت بها الدولة الاردنية اختياريا، وباعتبار الاحزاب مؤسسات وطنية سيكون قوامها الشباب الباحث عن الفرص في الحياة، وتحقيق ذاته الوطنية بعيدا عن الولاءات الضيقة، وفي اطار كيان الدولة .
ولتخرج الاحزاب من عباءة الدور التقليدي الى التحضير لبرامج اكثر واقعية ، وتصلح لقيام برلمانات ذات طابع حزبي برامجي في المستقبل القريب.
وقد اعطاها قانون الانتخاب الجديد الموشح برغبة ملكية جلية دفعة كبيرة استجابت لها كافة مؤسسات الدولة الدستورية ، وتوجت بتحويل الصوت الانتخابي في الاردن، وعلى مراحل، وبالتدريج الى صوت حزبي سيتجلى في صناديق الاقتراع في السنوات القادمة.
والاحزاب مدعوة اليوم للتواصل الاجتماعي المرن مع الجمهور ولكي تظهر قدرتها على العمل العام من خلال برامجها، وامكانية اقناع المواطنين، وكسب ودهم، واستقطاب اصواتهم، ولتحل في مكان الروابط الاجتماعية القائمة التي استمرت مهيمنة على الحياة العامة لعقود ، وليكون الفرز النيابي القادم مبنياً على اسس برامجية وطنية بحتة.
وهذا يضع الاساس السليم لبناء المؤسسات الدستورية على المعيار الوطني وبعيدا عن عوامل التجزئة، والتفتيت .
والاحزاب يجب ان تنزع عنها لباس الخوف، فلم تعد على الهامش السياسي، ولتغادر مساحة التردد، وقد اصبحت هي مركز العملية السياسية بارادة الدولة الواثقة من عوامل قوتها، وذلك يظهر بموجب القوانين الاصلاحية الاخيرة، ومطلوب منها ان تقدم رؤية، وسياسات قابلة للتطبيق ، وان تفكر بعقلية السلطة حيث من المؤمل ان تتشكل الحكومات ، وحكومات الظل في المراحل اللاحقة وفقا لقاعدة الاغلبية والاقلية البرلمانية.
لقد شرع الاردن في المرحلة الحزبية طوعا ، واستجابة لضرورات وطنية ملحة، ولاعطاء الحياة العامة دفعة قوية الى الامام، واعادة انتاج النخب وفق اسس اقرب الى تمثيل الارادة الشعبية، وهذا المسار الطبيعي في التغيير لا عودة عنه، وعلى النشطاء في كافة المحافظات ان ينتهزوا هذه الفرصة السياسية السانحة.