لا توجد أمة من الأمم أو شعب من الشعوب، لا يعيد حساباته بين لحظة وأخرى، أو انتهاء مرحلة وبداية ثانية. فحينما استسلمت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945، اعاد اليابانيون قراءة تاريخهم، ورصدوا الثغرات التي شابت مسيرتهم، وبناءً على القراءة المعمقة لما أصابهم قاموا بإنتاج تراثهم وقيمهم بما يتلاءم مع المرحلة الجديدة. وفي أقل عقدين من الزمن استطاع اليابانيون فرض إرادة وجودهم على الخريطة العلاقاتية الدولية، و جعلوا من الهزيمة نصراً وصاغوا من الدمار ماول للبناء، وحولوا إمتهان الكرامة الى صفحة ناصعة في الصمود والتضحية. وصنعوا من وثيقة استسلام امبرطورهم صخرة تتحطم عليها كل مخططات الآخر التي تريد باليابان شرا، حتى وصلت اليابان إلى ما وصلت إليه من قوة ومنعة وحضور على المستوى العالمي.
وكذلك الحال مع الشعب الألماني، فقد استطاع أن يتجرع مرارة الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، ويتحمل مآسي ما خلفته الحرب، ويتعامل مع منتجاتها ومحاكمات» روتنبرغ « بكثير من العقلانية ، والانحناء للعاصفة ، والسير باتجاه اعادة اعمار المانيا و بعث امجادها. واستطاعت المانيا أن تنهض من جديد، وأن تعيد قراءة مجالها الحيوي الذي أفرزه الفكر القومي الألماني على يد « راتزل « وغيره في القرنين التاسع عشر والعشرين العشرون وما قبلهما وما بعدهما.
كما استطاعت المانيا اليوم أن تصل الى قمة الهرم في القوة الاقتصادية ، وتقود الاتحاد الاوروبي إلى أحلام «بسمارك» وربما تحقيق احلام «هتلر» الغابرة التي كان آخر شاهد عليها رفيقته « أيفا براون»، ولكن بطريقة مشروعة وعقلانية ومقبولة لدى الشعوب الأوروبية .
أسوق ذلك وانا انظر الى حال امتنا العربية، وهي الامة التي منذ سقوط بغداد سنة 1258م ، لا تزال تئن تحت وطأة فقدان الذاكرة والتمزق السياسي والتخلف الاقتصادي والصراع البيني الكامن، والتيه القومي الذي حول طموح الإنسان العربي في الوحدة والتحرر إلى حالة سرابية مستحيلة التحقيق. وأصبح الإنسان العربي يقف « قزماً» أمام الانسان الهندي الذي أصبح على قاب قوسين أو أدنى من الوصول الى مرحلة الدولة العظمى.
لقد انتهى عام 2010 والشعب الفلسطيني يئن تحت وطأة الاحتلال الصهيوني ، وما زالت المخططات الصهيونية جاثمة على أرضنا العربية في الجولان ومزارع شبعا، واكناف بيت المقدس. والسودان أصبحت إثنتين. واليمن الذي كان سعيداً ذات يوم يصارع البقاء في مواجهة الشقاء والعبث الشعوبي. والصومال يدفع ثمن انتمائه الى أمة العرب. وقبل هذا وذاك، العراق الذي كان ذات يوم درع الامة وحصنها المنيع ضد الاطماع الشعوبية الفارسية ، أضحى اليوم اداة طيعة في يد أحفاد إبن أبي العلقمي.
أما العلاقات البينية بين الأقطار العربية فهي أسواء بكثير من العلاقات البينية بين الكوريتين ، بل تجاوزت في خطورتها نمط العلاقات العدائية بين أي أعداء على وجه الكرة الأرضية. فالكل حذر من الكل، والجميع لا يثق بالجميع ، وأصبح الاستلاب الحضاري هو سيد الموقف في جزئيات حضارتنا وثقافتنا.
ماذا يقول الإنسان العربي اذا ما سئل عن إنجازات امته العربية في 2010؟. بكل حسرة ومرارة لا يجد غير إعادة إجترار الحقد البيني والتربص الداخلي بين مكوناتها. وعدم تجاوز جراحات الامس، والسير بخطى ثابتة نحو مقصلة جلادها.
ماذا نقول للاجيال القادمة عن دورنا فيما وصلت إليه الامة، وماذا فعلنا لإنقاذها؟؟.
Almajali74@yahoo.com
الرأي