ربما قد يغيب عن بال كثير ممن يتحدثون بالشؤون الحزبية أنه لا يمكن لأي حزب أن يكتسب قيمته الحقيقية في الحياة السياسية دون أن يستند لمجموعة من المرجعيات الاستراتيجية التي تمنحه المشروعية العميقة إلى جانب مشروعيته القانونية المتمثلة في مطابقته للشروط التي حددها قانون الأحزاب الجديد، وفي الإجراءات التنظيمية التي تبدأ من تسجيل الحزب وصولا إلى انعقاد مؤتمره العام، وتشكيل مجلسه المركزي، الأمانة العامة ومجلسه الاستشاري.
لا شيء يعلو على دستور البلاد كمرجعية للدولة ونظامها، وجميع سلطاتها وحقوق وواجبات مواطنيها، فالنصوص الدستورية هنا يجب أن تظل حاضرة في التفكير والتخطيط، وإدارة شؤون الحزب، وليس من شأن الحزب أن يخط في أدبياته وسياساته وبرامجه أي شيء يتعارض مع الدستور من قريب أو بعيد، ولا أظن أن أيا من الأحزاب الأردنية يمكن أن يغفل هذه المرجعية الأولى بأي حال من الأحوال.
قانون الأحزاب، وقانون الانتخاب مرجعيتان تفضي إحداهما إلى الأخرى بصورة حتمية ومن الطبيعي أن يشكلا معا أساسا واضحا لدى المجالس والكوادر، من أجل ممارسة المهام والأنشطة والغايات والأهداف، وبعد ذلك يمكن لكل حزب أن ينوع في مرجعياته ما دامت منسجمة مع الدستور والقوانين الناظمة، ومع ممارساته المشروعة في التعبير عن تطلعات أعضائه، وبرامجه التي يقدم نفسه من خلالها لجمهور الناخبين لكي يحظى بالمقاعد المخصصة للأحزاب في مجلس النواب، وغيره من المجالس العامة!
وبما أن التجربة الحزبية الحديثة التي نعيشها قد بنيت في الأصل على الأوراق النقاشية الملكية التي أرست قواعد المسيرة الديمقراطية، والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وكذلك تقرير اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية فإنه من المنطقي أن تكون ضمن قائمة المرجعيات باعتبارها الفضاء الفكري والحواري والتشاوري الذي اجتمعت فيه النخب السياسية والاقتصادية والأكاديمية والثقافية والإعلامية وغيرها، والتقت على مبادئ تلك العملية السياسية، وتوافقت على مراحلها أهدافها ومعانيها!
ولأن عملية تحديث المنظومة السياسية جاءت متزامنة مع رؤية التحديث الاقتصادي، وتحديث القطاع العام، يمكن أن تضع الأحزاب تلك الرؤيتين ضمن سلسلة مرجعياتها، ذلك أن البرامج التي ستعمل عليها مرتبطة في معظمها مع الشأنين الاقتصادي والإداري، وغيرها من القطاعات التي ستفرض على الأحزاب أن تستغل ما لدى أعضائها من خبرات، تضاف إليها خبرات وآراء وأفكار النخب الوطنية المتخصصة من قطاعات الدولة المختلفة، فضلا عن الاستفادة من الممارسات الفضلى، والمقارنات المرجعية.
هذه مرحلة من مراحل تطور الدولة الأردنية، وهي ليست معزولة عن تاريخها وعمقها الاستراتيجي وتجاربها السياسية، والمخاضات الصعبة التي مرت بها، وهي موصولة بمشروع الأردن الجديد الذي يريد أن يدخل إلى المئوية الثانية من عمره وهو أكثر قوة وثباتا، وقدرة على معالجة مشكلاته، وخاصة الاقتصادية منها، وعلى ذلك فإن العمق التاريخي هو كذلك مرجعية على درجة عالية من الأهمية بما يمثله من معاني الوطنية الأردنية التي وضع الأوائل منظومة قيمها ومبادئها ومثلها العليا لنسير على نهجها جيلا من بعد جيل!