نفرح بالحسين: ما وراء الزفاف .. 9 رسائل ودلالات
م. مالك زياد أبو غنيمة
05-06-2023 12:10 AM
ضمن مجال عملي كمختص في مجال الإدارة التسويقية وإدارة الحملات والفعاليات، تابعت باهتمام الحملة التي رافقت زفاف الحسين كونها تعتبر -عبر عقود- أكبر حملة "تسويق شخصي ووطني" ضمن ما يعرف في مجال إدارة السمعة والعلاقات العامة وبناء الصورة الذهنية، ويمكن وصفها بأنها كانت نموذجا ناجحا ومميزا بالمعايير المهنية والموضوعية العلمية، وسأتناول في هذه المقالة عددا من الجوانب العميقة وفير المباشرة التي حققتها الحملة.
رسمياً، انتهت مراسم الزفاف الملكي مع نهاية يوم الخميس 1 حزيران، والذي كان زفافاً وطنياً وإبداعياً ساهم في إحياء مشاعر الفرح والفخر في كل الأردن، إلا أن الزفاف سيكون له آثاره الممتدة على المدى القصير والمتوسط والبعيد، حيث كانت له رسائل مباشرة وغير مباشرة خُطِّط لها ورسمت بذكاء ونُفِّذت بإتقان ودقّة، وصنعت زفافاً ملكياً كانت له أبعاد متعددة شملت الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية والإدارية وحتى الاقتصادية-السياحية ، وآثاره وأصداؤه كانت متعددة المستويات محلياً وإقليمياً وعالمياً، وعكس تنفيذه ذكاءً مميزاً في مختلف هذه الأبعاد والمستويات.
بعد النجاح الكبير للزفاف، سأتحدث تالياً عن مجموعة من النقاط التي لفتت انتباهي على مدار الأسبوعين الماضيين بشكل عام، وفي يوم الزفاف بشكل خاص، حيث يُمكن تلخيص أبرز رسائل الزفاف بما يلي:
1) سياسياً، ساهم الزفاف في تعزيز حضور الأمير الحسين بشكل كبير وعميق، وعزّز صورة ذهنية إيجابية عنه وعمّق العلاقة العاطفية الإيجابية بينه وبين شعبه، وعزّز الانطباع العام بحنكة ومساندة العائلة الملكية له ووقوفها خلفه في مسيرة إعداده لمرحلة جديدة قادمة.
2) ثقافياً، كان الاعتزاز بالعادات والتقاليد والثقافة الأردنية والعربية والإسلامية بارزاً، ومن مظاهره:
- تسلسل فعاليات الزفاف وفقاً للعادات والتقاليد (حفلة الحناء، وليمة الغذاء في مضارب بني هاشم -وهي سنة نبوية-، حمام العريس مع الأصدقاء، الحفل العائلي في قصر زهران والفقرات التراثية في قصر الحسينية وحفل العشاء الرسمي)
- الاهتمام والاعتزاز بالعائلة، ابتداءً من مشاركة العائلة الهاشمية في الزفاف، مروراً بدور الأمير هاشم في "دخلة العروس" والأميرتان إيمان وسلمى ودورهما "العائلي" مع العروس، إلى جانب تسليط الضوء على مبدأ "كبير العائلة" وشهادة الأمير الحسن على عقد القران، وختاماً بالصورة العائلية الجماعية وفق التقليد المتعارف عليه في مثل هذه المناسبات الاجتماعية.
3) الاهتمام بالنمط المحافظ دينياً بشكل عام، ومن مظاهره:
- توحيد نمط اللباس للداعين والمدعوين (Dress Code) على اختلاف طبقاتهم وخلفياتهم
- الرسائل الدينية المباشرة مثل نصيحة الملك لولي العهد "مخافة الله"، وجملة تاج الملكة رانيا "العظمة لله" (وهو بالمناسبة أول تاج ملكي في العالم يُكتب عليه باللغة العربية وهذه رسالة بحد ذاتها)
- كلمة إمام الحضرة الهاشمية، التي اختيرت كلماتها بعناية وكانت كُلُّها ذات دلالة، تحدثت عن سنة ونعمة الزواج خصوصاً والإسلام عموماً وامتلأت بآيات القرآن الكريم وحديث الرسول عن الزواج والأسرة، إلى جانب مظهر "الشيخ المعمّم" بلباس الجبُّة والعمامة في زفاف ملكي بهذا المستوى والحضور العالمي.
- إلى جانب الرسائل غير المباشرة مثل هدية الملك للأمير "سيف الهاشميين" والآية المنقوشة عليه خصيصاً "إن ينصركم الله فلا غالب لكم"، إلى جانب مشهد تصدُّر واجهة مسجد الملك الحسين في المشهد العام لحفل قصر الحسينية (الصورة المرفقة)، واستضافة أستاذ "التربية الإسلامية" للأمير الحسين ضمن فقرات البث الموحّد وغيرها.
4) الاهتمام الخاص باللغة العربية، والتي انعكست في:
- تصميم شعار الفرح بالخط العربي بشكل يعكس العراقة والأصالة من جانب، والاعتناء باللغة العربية من جانب آخر، ومع الحملة الكبيرة التي رافقت الزفاف، كان تأثير هذا العامل مضاعفاً، فقد انتشرت لوحات الزفاف في كل شارع تقريباً، وفي هذا تعزيز لقيمة اللغة العربية في أذهان الناس بشكل عير مباشر.
- تضمين اللغة العربية في عدًة تفاصيل في الزفاف كالديكورات وتاج الملكة والأميرة وسيف الهاشميين وغيرها
5) إبراز البُعد الوطني للزفاف والتنوع الثقافي والاجتماعي، والذي انعكس على سبيل المثال في:
- دعوة مختلف فئات ومكونات المجتمع للفعاليات
- الفقرات المميزة لوحدات الجيش العربي
- رسم علم الأردن ضمن الموكب الأحمر بطريقة فنية وإبداعية مميزة
- تنفيذ مختلف جوانب الزفاف من ديكورات وفقرات وغيرها بأيادٍ وكفاءات أردنية من الحرفيين والفنانين والكفاءات من مختلف مدن وقرى الأردن
- ظهور التنوع الأردني، عرباً وشركساً وشيشاناً وأجانباً، والذي عكس جزءاً منه مظهر الحرس الخاص في قصر زهران والفقرات الفنية في قصر الحسينية وفئات الجمهور المختلفة المشاركة في الفعاليات.
6) الاقتراب من عموم الناس وإيصال رسالة "الهاشميين قريبين منكم.. ومنكم وفيكم"، ومن الملاحظ على سبيل المثال:
- كلمة جلالة الملك الترحيبية في الوليمة، وكلمة جلالة الملكة في حفل الحناء، ومنشورات جلالة الملكة والأمير الحسين على وسائل التواصل الاجتماعي، جميعها تتضمن رسائل ومعاني ذات دلالة في هذا السياق.
- قرب الموكب الأحمر من الناس، فلم يكن هناك أية حواجز حقيقية بين الموكب والجمهور، وتم الاكتفاء بأعداد بسيطة نسبياً من قوات الأمن والجيش لحماية الموكب، وفي لقطات عدة كانت المسافة التي تفصل الناس عن سيارة الأمير والأميرة لا تتجاوز متراً واحداً، وفي هذا رسائل مهمة غير مباشرة تعكس مبدأ الثقة والمحبّة المتبادلة والقرب من الناس
- في فقرة "الكيكة"، كان من المُلفت صعود المدعوين إلى المنصة الرئيسية ومشاركة العروسين والعائلة الملكية الفرحة عن قرب، بجانب الملك والملكة، تماماً مثل أي فرح أردني، بشكل يبني صورة ذهنية جديدة وغير تقليدية في الذاكرة الوطنية
- اللقطات التي ظهر فيها تأثر وتفاعل جلالة الملك والملكة كأي أب وأم في زفاف ابنهم كانت صورة مختلفة عن الصورة "الرسمية" المعهودة لهم بحكم منصبهما الرسمي
7) رسالة "الإحسان والإتقان"، والتي انعكست في الاهتمام بالتفاصيل بشكل دقيق جداً، فما من جزئية بالحفل إلا ولها قصتها، ولكل جزء من الديكور رواية، ولكل فقرة حكاية، ولكل فكرة دلالة، ومنها مثلاً:
- ختم جوازات السفر بعبارة "نفرح بالحسين
- تنفيذ الديكورات بشكل يدوي بأيادي حرفيين وفنيين أردنيين
- الفيديوهات القصيرة التي تضمنها البث الموحّد كانت إبداعية ومميزة وذات محتوى فريد، وأظهرت الكثير من التفاصيل.
8) تكامل الأدوار واستثمار جميع الموارد الذي ظهر جلياً في التنسيق بين مختلف مكونات الدولة، من أجهزة ومؤسسات ومجتمع، ومن ذلك كان:
- البث الإعلامي الموحّد لفقرات الحفل، جمع الإعلام الخاص والرسمي وشبه الرسمي
- تفاعل مختلف المؤسسات العامة والخاصة والأهلية مع الزفاف، بشكل يعكس القدرة على تطبيق نفس المبدأ في مناسبات وحالات مختلفة.
- إقامة فعاليات متزامنة في جميع المحافظات في يوم الزفاف، شملت 14 موقعاً وتضمنت أكثر من 125 فقرة مختلفة، وبمشاركة عشرات الآلاف من الجمهور.
- عدم ظهور أي شخصيات عامّة معروفة في المشهد الإعلامي من مسؤولين حاليين أو سابقين، بما يُزيل أي انطباعات سلبية مرتبطة بالواقع الحالي الصعب للبلد.
9) الأداء الإعلامي والاتصالي والتسويقي المميزين، والذي انعكس في:
- بناء هوية بصرية مميزة للزفاف، شملت تصميم الشعار بشكل مميز كما ذكرت أعلاه، واختيار لون ذو دلالات متعلقة بالفخامة والملوكية، وإتاحة الاستفادة من المواد الفنية والإعلامية للحملة على نطاق واسع للجميع ساهم في نشرها وبصورة متناسقة في كل مكان.
- إخراج مواد إعلامية وفنية مدروسة بعناية قبل وخلال وبعد حفل الزفاف، جميعها تُعزز من الرسائل المذكورة أعلاه بشكل أو بآخر، سواء من الأغاني للفنانين العرب أو حتى مقاطع الانستغرام والفيسبوك اليومية.
- تعزيز الحضور الإعلامي للأردن كبلد على المستوى الإقليمي والعالمي، والذي ظهر جلياً في التغطية الإعلامية في وسائل الإعلام العربية والعالمية، إلى جانب الجمهور الأجنبي المقيم في الأردن الذي شاهد وعايش هذه الاحتفالات.
- استخدام وسم "هاشتاغ" بسيط ومميز #نفرح_بالحسين ، "نفرح" بصيغة الجمع والفعل المضارع الدال على الاستمرارية، وقصير وسهل التذكُّر والاستخدام (هذا الوسم لوحده كُتب فيه أكثر من 150 ألف منشور)
وفي الختام، لا بدّ من الإشارة إلى أنه وكما في كل شيء، فإنّ الكمال لله وحده، ولا يوجد عمل إنساني غير معصوم عن الخطأ، ومن الواجب تقديم الشكر لما تم، فالشكر موصول لكل القائمين على #زفاف_الحسين ، ابتداءً من العائلة الهاشمية وعلى رأسهم جلالة الملك والملكة حفظهم الله، مروراً بالديوان الملكي الهاشمي العامر عموماً، ومكاتب جلالة الملك وجلالة الملكة وولي العهد خصوصاً، ومؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة ومؤسسة ولي العهد ووسائل الإعلام، بيَّضتوا وجه الأردن والله يعطيكم ألف عافية، وكُلِّي أمل بأن يكون هذا الزفاف نموذجاً يُحتذى لما يُمكن تقديمه من أداء عالي ومحترف على مستوى الإدارة العامة وخدمة البلد وأهله من جميع المؤسسات والمسؤولين.
وألف مبارك لسمو الأميرين الحسين ورجوة، وكما قال إمام الحضرة الهاشمية "عقبال الأمير هاشم"، وعقبال كل العزابية.
وألف مبارك للأردن، وإن شاء الله دائماً عامر بالأفراح.
"ربّ اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وارزق أهله من الثمرات"