"ولسوف يكبر عبدالله ويترعرع في صفوفكم، بين إخوته وأخواته، من أبنائكم وبناتكم، وحين يشتد به العود ويقوى له الساعد، سيذكر ذلك اللقاء الخالد الذي لقي به كل واحد منكم بشرى مولده، وسيذكر تلك البهجة العميقة، التي شاءت محبتكم ووفاؤكم إلا أن تفجر أنهارها، في كل قلب من قلوبكم، وعندها سيعرف عبدالله كيف يكون كأبيه، الخادم المخلص لهذه الأسرة، والجندي الأمين، في جيش العروبة والإسلام".
هذا ما قاله جلالة المغفور له الحسين بن طلال، الذي ملك القلوب ورحل إلى جوار ربه تاركاً إرثاً خالداً في حياتنا، وكان عزاؤنا الوحيد برحيله هو عبدالله.
ظهر الإرهاق والتعب على تقاسيم وجه جلالته البسام، ولمعت عيناه بدمعة فرح أبت إلا أن تخبر العالم بأنه الملك الانسان "الأب"، وبدى جلياً أن هناك ما يشغل الفكر والتفكير والحرص على الأمة والوطن في عيون جلالته.
دمعة الملك كانت حاضرة في مقلتيه.. أحس بها كل من تابع مراسم عقد قران الأمير الحسين، حين بدأ إمام الحضرة الهاشمية يتحدث إلى الأب عبدالله بالصفة الشخصية، وكما كل الآباء في أعراس الأبناء، يمر شريط الحياة أمام الأعين بسرعة، فظهر جلالة الملك عبدالله متأثراً بشدة خلال استعراض قلبه وعقله سيرة حياته وحياة ولي عهده، وكأنه كان يقول في نفسه: منذ اللحظة الأولى لك في الحياة يا بني وأنا انتظر يوم زفافك السعيد، كم أتمنى لك أن تظل سعيدًا ما حييت مع عروسك الجميلة، وهنا فازت عاطفة الأب عبدالله.
هذا هو جلالة الملك الذي ملك القلوب والقبول ومحبة وتقدير الجميع.
تحدث العالم أجمع وتابع الزفاف الملكي المحاط بأهازيج ومحبة الشعب الاردني، وكأن الحفل أصله في كل بيت أردني، وكان الحسين الوسيم وعروسه كنجمين مضيئين في السماء، وكان الحضور الوطني أردني بامتياز، فالحسين الشاب قد ملك قلوبنا بتواضعه وابتسامته التي تزين محياه دوماً، بهجة اختلطت بها دموع الفرح وتحولت دموع الأردنيين التي ذرفوها حارة مؤلمة على رحيل الحسين إلى دموع محبة ووفاء.
دمعت عينا جلالة الملك الذي حاول أن يبدوا متماسكا وكأنه يستذكر قول الحسين“إني نذرت لكم عبدالله"، ويستذكر استشراف والده للمستقبل قائلا: "مثلما أنني نذرت نفسي، منذ البداية، لعزة هذه الأسرة ومجد الأمة كذلك فإني قد نذرت عبدالله لأسرته الكبيرة، ووهبت حياته لأمته المجيدة".
إن دمعت عينا جلالة الملك، فهو الأب.. وسيبقى شامخاً كجبال عمان وأعمدة البتراء، وهذا الوصف يليق به ، ويا لروعة الموصوف عندما يليق به الوصف ، سليل الحسب والنسب ، ضمير الأمة، القامة والهامة، الملك ابن الملوك.
قصدتُ ألا أتعجل الكتابة والنشر في موضوع الزفاف الملكي لتكون الكتابة عقلانية وحقيقية ومنصفة وبعيدة عن العواطف.
تابعت الزفاف ككثير من أبناء الشعب الأردني من خلف شاشة التلفاز، ولم يخب ظني، لا بمستوى الحدث، ولا بمستوى انضباط وفرح أبناء الشعب ممن خرجوا إلى كل الشوارع والميادين في الأردن مشاركين من أحبهم وأحبوه فرحته الكبرى بزفاف ولي عهده، وكان هذا الفرح كمن أحيانا بعد ممات، وأيقظنا بعد سبات.
يقينًا أقول، الحديث عن هذا العرس الأردني تحديدًا لن ينتهي، وها أنا أكتب بشغف ويقيناً أقسم يا أردن أنك عظيمة بمكانتك، ولا شك لدي أن قيادة ووطناً كهذا يليق بنا.
غصّت شوارع الأردن بأقطابها الأربعة بالعروض التي لم نشهد لها مثيلًا، بمذاقات مختلفة ومتنوعة، كان فرسانها أردنيون وأردنيات من شتى المنابت والأصول وكم شعرنا بالفخر والاعتزاز وصدق الانتماء للوطن والشعب والتراث.
يا أبا الحسين، حتى وإن ظهر الإرهاق والتعب على تقاسيم وجه جلالتك، حتى و إن حبست الدمعة في مقلتيك، سيبقى وجهك الباسم المتواضع شاهداً على الكرامة والعزة، وعلى المبدأ.
دامت الأفراح في دياركم العامرة، وعقبال فرحتنا بهاشم.