العالم الجديد .. مخطط روسيا
معتز الهندي
03-06-2023 06:24 PM
سعت أمريكا لتطويق روسيا وحصارها وخنقها وعزلها عن العالم، ولكن روسيا اخرجت فأساً وشقت طريقا عبر هذا الجدار الذي بنته واشنطن وهي الآن في طريقها صوب المياه الدافئة وفي طريقها لتبني جدارها الخاص بها لقطع الطريق على واشنطن وفصل الشرق عن الغرب، بمشروع يمكن تسميته بطريق الحرير الروسي او بجدار برلين الاسيوي.
في منتصف شهر ايار ٢٠٢٣ وفي العاصمة الايرانية طهران التقى امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني علي شمخاني مع مستشار الامن القومي الهندي اجيت دوفال، وناقش الطرفان امراً بات ملحاً ومهماً سبق لشامخاني مناقشته مع ايجور لويتين المساعد الخاص للرئيس الروسي، وهو ذات الامر الذي ناقشه بوتين مع نظيره الايراني ابراهيم رئيسي في اتصال هاتفي، فبوتين يريد الاسراع بالتنفيذ وكلَّف الايرانيين بالتنسيق مع الهند وعن هذا الموضوع الذي بات ملحا على مائدة الرئيس الروسي القوي فهو ممر جديد او طريق جديد وطويل يعرف باسم ممر الشمال الجنوب.
وهذا الممر عبارة عن بناء شبكة طرق برية وسكك حديدية وخطوط ملاحة بحرية تصل الشمال بالجنوب بمعنى انها ستنطلق من العاصمة الروسية الشمالية سان بطرسبرغ المطلة على خليج فنلندا في بحر البلطيق وتقطع الاراضي الروسية مرورا بايران ثم تتجه لمدينة مومباي الهندية ومنها الى المياه الدافئة في جنوب القارة الآسيوية حيث المحيط الهندي وذلك عبر ثلاث مسارات:
* المسار الاول عبر بحر قزوين
حيث يبدأ المسار براً من سان بطرسبرغ شمال غرب روسيا الى منطقة استراخان الروسية على بحر قزوين ثم يتم الشحن بحراً بواسطة السفن الى ميناء بندر أنزالي الايراني على ساحل بحر قزوين ثم النقل براً الى ميناء تشابهار الايراني المطل على المحيط الهندي
ثم الشحن بحراً الى مدينة مومباي في الهند.
* اما المسار الثاني فيسمى المسار الشرقي
وهو مسار بري ينطلق من روسيا الى ايران مرورا بكلٍ من كازخستان واوزبكستان وتركمانستان ومن ثم ايران.
* وعن المسار الثالث يسمى المسار الغربي
وهو ايضا مسار بري ينطلق من روسيا الى ايران لكن عبر اذربيجان ويتطلب اكمال بناء خط سكة حديد راشد آسترا داخل ايران بطول ١٦٠ كم لربط ميناء بندر انزالي مع شبكة السكك الحديدية الروسية عبر اذربيجان.
اذن شبكة هائلة من الطرق البرية والبحرية بالاضافة الى سكك الحديد، وهذا مشروع تم رسمه سابقا على الورق من قِبل الروس وتحديدا عام ٢٠٠٠ لكن حتى ذلك الوقت كانت علاقات روسيا بالغرب جيدة والطرق بينهما مفتوحة ولم تكن روسيا قد اعلنت بعد عن المواجهة
حيث كانت حقبة التسعينات في روسيا عبارة عن ترتيب للبيت الداخلي ولملمة ركام انهيار الاتحاد السوفييتي وكان على رأس الحكم رئيس يُوصف بالضعيف لدى كثيرين وهو يلتسن لكن مع قدوم بوتين الساعي لاعادة مَجد الروس بدأ التفكير في موسكو بإعادة رسم خارطة العالم….
وفي خلال ما يقارب من الربع قرن من وجود بوتين في السلطة على رأس روسيا جرى فعلاً اعادة رسم خارطة الكوكب وإن كلَّف ذلك روسيا الكثير. والكثير هذا يعني كثيراً من الحروب في جورجيا وسوريا واوكرانيا..
والآن عادت لمشروع روسيا القديم اهميته حيث سيكون بمثابة الخط الفاصل بين الشرق والغرب، فما على الشرق تريد موسكو القول انها مناطق لها ولمن معها بمعسكرها اي الصين.. واما غرب هذا الطريق فهي مناطق تسعى روسيا ايضا لترويضها.. وبالأسماء ففي حال وضعنا خريطة وقسمناها بممر الشمال الجنوب الروسي هذا سنجد دول الشرق هي ايران، تركمنستان، اوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان، غيرغيستان، افغانستان، باكستان، ومعهم الهند ثم يأتي سور الصين العظيم.
وهذه مناطق للروس فيها نفوذ متفاوت بين قوي وكبير الى تأثير متوسط مما يعني انها مناطق نفوذ حيوي لموسكو ستوفر لها الامتداد والمتنفس هروباً من الحصار الغربي واغلاق الابواب الذي جرى عقب حرب اوكرانيا والعقوبات الغربية كما ستوفر اسواقا جديدة لموسكو تشتري منها وتبيع ومساحات شاسعة للاستثمار.
كما والأهم انها ستوفر ممرات نحو المياه الدافئة هاجس الروس عبر التاريخ والاكثر من ذلك فهي طريق نحو الخليج هدف روسيا القادم، وايضا بوابة لافريقيا ساحة الصراع الجديدة مع امريكا.
اما عن غرب هذه الطريق فهي تركيا واوروبا الشرقية وهنا لا يمكن القول ان روسيا ستهملها، بل هي مهتمة بها فالعلاقات الروسية التركية في تصاعد بالذات بعد فوز اردوغان في الانتخابات الرئاسية مؤخراً.
وكذلك للروس حلفاء ونفوذ في شرق القارة الاوروبية مما يعني ان موسكو قادرة على تأمين طريقها هذا بل وحصنته بجدار متين، وستكون قادرة من خلاله على منع تمدد الامريكين نحوهم.
ولان الآمال كبيرة على هذا المشروع فالتحديات ايضاً كبيرة اي ان الهدف الروسي هذا طريقه ليست معبدة بالورود. فمن ناحية سيمر جزء كبير من هذا المشروع عبر ايران، وايران واحدة من افقر الدول حيث البنى التحتية والقدرات العالية على تأمين مستلزمات العبور، كما ان صراعات تدب بين دول شريكة في هذا المشروع قد تعطل اتمامه وتحديداً الصراع الايراني الأذري، حيث تعتبر ايران حليفة لارمينيا الدولة التي تخوض حرباً ضد اذربيجان…
بالاضافة الى تحدٍ آخر وهو ضمان بقاء الهند في محور روسيا، فالهند كما هي بلد كبير المساحة والسكان هي ايضا كعكة كبيرة يسعى العالم كله لقضم جزء منها، فاميركا لها نفوذٌ فيها وقد تسعى لعرقلة مشروع الروس..
لكن مع التحركات الاخيرة يبدو ان موسكو قد عزمت امرها وطهران كذلك فالامال غير تلك الي ذكرناها كبيرة وتستحق فايران هي الاخرى ترزح تحت عقوبات الغربيين وتبحث عن متنفس لها….
كذلك قد يصبح هذا الطريق بديل عن مرور السفن بقناة السويس للوصول الى جنوب اسيا، لذا من ان يصبح هذا المشروع واقعاً لعديد الاعتبارات الاقتصادية والسياسية..
وقد يتحول فعلا الى جدار برلين الجديد الذي يفصل شرق العالم عن غربه.