facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




لماذا لا يثق الأردنيون بالصناعة الوطنية؟


محمد كامل العمري
03-06-2023 10:45 AM

تنتشر في المخيلة الأردنية جدالات كثيرة حول الصناعة الوطنية ودورها في إرفاد الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستقلالية الإنتاجية، ومدى وجودية وتأثير هذه الصناعات على الواقع الأردني، لا سيما مع التشكيك المتزايد تجاهها من قبل شرائح مجتمعية كثيرة؛ التي ترى بهذه الصناعة أنها ليست قوية بالقدر الذي ينبغي أن تكون عليه، فضلاً عن عدم تصديق أطراف أخرى بقوة القطاع الصناعي، إن كان على مستوى الإنتاجية أو التوظيف.

وبالحديث أكثر عن مساهمات القطاع الصناعي، نجد أن حصته في الناتج المحلي تبلغ (٢١.٥٪)، هذا بخلاف قاعدته التشغيلية التي بلغت ٢٥٥ ألف عامل وأكثر من ١٥ فرصة عمل مستحدثة سنوياً. إضافة إلى ذلك تلعب الصناعة الوطنية دوراً هاماً في تقوية وزيادة الصادرات الأردنية، إذ أنها تشكل حوال (٩٣٪) من أجمالي الصادرات الأردنية. ولكن، ورغم الأرقام المبشرة، فإن الكثيرين لا يزالون يشككون بدور الصناعة الوطنية عند الحديث عنها، خاصة من الفئة الشبابية. وهنا يبرز تساؤل محق عن أسباب التشاؤمية المفرطة لدى هؤلاء، وكيفية تغيير هذه النظرة مستقبلاً؟ حيث يمكن إبراز الأسباب ضمن السياقات التالية:

أولاً: مصداقية البيانات الرسمية
لا يمكن الحديث عن البيانات الرسمية دون فهم الحالة الاجتماعية المصاحبة لها، حيث تكثر لدى فئات كثيرة اعتقاد راسخ أن الحكومية عبر بيناتها المتتالية لا تقول الحقيقة كما هي، بل ويصل الحال ببعضهم أن يؤكد على وهمية المصادر الحكومية، وذلك من أجل تحسين صورتها أمام المواطنين. وعليه فإن ما ينشر حول الصناعة الوطنية ودورها التنموي يجابه بتشكيك معتاد ضمن رؤية شعبوية تكذب كل ما يمت للحكومة بصلة.

ثانياً: المؤامرة حول القطاع الصناعي..
يمكن القول إن من أكثر الأسباب تشكيكاً بالصناعة الوطنية يتمثل باعتقاد المؤامرة، حيث تكثر السرديات التي تتحدث عن تدمير "الثروات الوطنية" لصالح جهات مجهولة. وبالتالي استكمال هذا التظلم المجتمعي واسقاطه على واقع الصناعات الوطنية، من باب أن من يفرط بالموارد لا يؤتمن على وجود صناعة محلية! وعليه ثمة سياق جمعي يؤمن بأن الدولة الأردنية لا يمكن أن تدعم الصناعة المحلية، حيث -من وجهة نظرهم- لا يمكن الحديث عن إنتاج وطني في ظل وجود نسق سياسي ما.

هذه الرؤية استغلتها عدد من القوى المعارضة (خارجياً وداخلياً) للتدليل على مؤامرة تحاك من الخارج -وبموافقة داخلية- تستهدف كل ما هو محلي، وذلك من باب معارضة هؤلاء لعمليات الخصخصة التي افتتحتها الدولة مطلع الألفية الجديدة، إذ يبرز تعجب مجتمعي من وجود صناعة محلية بالنظر إلى هذا السياق الاقتصادي المتحرر، حيث يعتقدون بتعارضه تجاه المصلحة الوطنية، فضلا عن السياق الاجتماعي الذي يقدس مفاهيم المؤامرة.

ثالثاً: "التوظيف المريح"..
لعل شعور التشكيك المستمر ينبع من تحسر ماضوي تجاه الصناعات الوطنية قبل فتح السوق المحلي أمام المنتجات الأخرى، إذ سادت حالة وظيفية مريحة في بعض الشركات الصناعية، وذلك من باب اختفاء عاملي التنافسية والتطوير الذاتي. الأمر الذي كون، مع الوقت، تضخم وظيفي نابع من سياسات الترضية القائمة بهذه الشركات، مما عرضها لخسائر بمئات الملايين. وهنا كان عامل "الخصخصة" العقلانية ضرورياً من باب إدراك ما يمكن أدراكه. وعليه كانت السياسات الوظيفية الجديدة قائمة على حاجة السوق الفعلية، وعلى مبدأ الكفاءة بين الموظفين، إضافة على المحافظة على جاذبية السوق الأردنية وذلك من خلال الأجور المعقولة.

إن سياسات "التوظيف المريح" كونت، مع مرور الأيام، أفراداً يشعرون بأن الصناعة الوطنية يجب أن تكون متوافقة مع السياق الناظم للإطار التوظيفي العام. ولأن الواقع الإنتاجي الصناعي لا يمكن أن يجاري هذا المستوى من التفكير، ظهرت أصوات تشكك بوجودية هذه الصناعة، بل وبمدى تحقيقها للنجاحات، وذلك ضمن مسار يؤمن بأن الوظيفة هي مركز اجتماعي أكثر من كونها أداة للخدمة وتحقيق الإنتاج. ولذا، وضمن هذا التحليل، يمكننا فهم ثقة الشارع الأردني ببعض الأجهزة السيادية أكثر من أي شيء آخر، إذ أن هذه الأجهزة توفر إطار وظيفياً آمناً على عكس قطاعات أخرى. فضلاً عن توافد أغلب خريجي الجامعات نحو الوظائف الحكومية، الأمر الذي انعكس على إدراكية وجود القطاع الصناعي، مما أسهم في تلغيم المناخ العام تجاهه، وبالتالي الشك في قدرته التصديرية أو التوظيفية، أو حتى الإيمان بوجوده على أرض الواقع.

رابعاً: الإعلام ودوره المجتمعي
وفي دراسة أعدها "معهد الإعلام الأردني* بالتعاون مع "مركز دراسات الجامعة الأردنية" وجد أن ٤٦٪ من الجمهور يثق بوسائل الإعلام، وبالتالي ثمة مؤشرات كثيرة على تراجع مصداقية وسائل الإعلام جماهيرياً، خاصة مع تصدر الإعلام الشعبي البديل المنصات التواصلية، ورغبة الإطار الجمعي بمتابعة إعلام يلامس غرائزهم المتمثلة بتضخيم المؤامرة أو الأزمات اليومية. ومن هذا الباب يمكن فهم حالة التشكيك بالصناعات الوطنية بأن ما تنشره الشركات الخاصة في الفضاء العمومي لا يؤثر كثيراً، ومن ناحية أخرى، فإن ضعف الثقة الجماهرية بالأطر الإعلامية على العموم خاصة تلك التي تتحدث بعقلانية يعتبر سبباً رئيسياً في زيادة مضمون المحتوى التشكيكي.

خامساً: أزمة الهوية..
يلاحظ أن الهوية الأردنية لها تعريفاتها على أكثر من مستوى، فبين من يحصرها ضمن مناطق محددة من جهة؛ تبرز حالة افتقاد الهوية والانتماء لدى الكثيرين من جهة أخرى. وعليه فإن بمحرد الحديث عن صناعة وطنية تتقدم أو تساهم في رفع كفاءة الاقتصاد الوطني، نجد تسخيفاً واضحاً، وذلك مرده افتقاد الشعور بالافتخار نتيجة بما اصاب الهوية الأردنية من عوار مقصود على مدى العقود الماضية.

سادساً: السوداوية والشعور بانعدام الأفق
من ضمن الأسباب التي تبعث على التشكيك بالصناعة الوطنية ما يتجلى في حوارات الشباب عن انعدام الأفق: الاكتئاب، الانسحاب، التقوقع داخل أطر ضيقة، الشعور بفقدان القيمة.. كل ذلك يتمحور حول نقطة واحدة؛ إنه الشعور العارم بالسوداوية لكل ما يمت للواقع الجمعي. هنا لا يمكن ذكر الصناعة المحلية إلا في سياق التقليل، لا يمكن الحديث عن المنجزات الإنتاجية، إذ سيصعب تصديقها نظراً للعوامل الشخصية المذكورة.

انعدام الأفق يتعلق، بشكل أكبر، بالعطالة المبطنة التي يعيشها كثير من الشباب، حيث يلزمون غرفهم الخاصة، لا يملكون قدرة على دخول المجال العمالي، نظراً لما تكون عن ذواتهم من رؤى متعالية. هم لا يستعدون للعمل ليس بسبب قلته، بل لأنه لا يوافق معاييرهم الخاصة، ولذا لا جدوى من تذكيرهم بالصناعة الوطنية، لأن رؤيتهم لهذا التذكير ستكون سوداوية تماماً. إن الشعور المكتسح بقوة الآن في المجال التواصلي ينحو باتجاه التفكيك الشامل لكل ما يقال حول الإنتاج الوطني.

سابعاً: السخرية والتقليل.. سمة عصرية معتادة
لعله من الواجب التذكير بدور السخرية في تغيير كثير من الأفكار الجماعية، بالسلب أو الإيجاب، ويزعم البعض أن تحليل السخرية يعني تدميرها كلياً، حيث تفترض إيجابية ما حول دور السخرية، خاصة وأنها أصبحت سمة أساسية لصقت بالحراكات الشبابية مطلع عام ٢٠١٠ إذ تحول دورها إلى ما يشبه الأداة السياسية. ولكن الواقع يؤكد أن تحليل المفاهيم المتكونة حول السخرية كان له الدور الكبير في فهم كثير من الحالات الاجتماعية المعاصرة.

ولأنه أصبح من المعتاد السخرية من كل شيء، خاصة مع انكشاف البنى الأخلاقية وترهلها الشامل، فإن السردية حول وجود صناعة وطنية ستلقى بالتأكيد سخرية كبيرة. جلد الذات الدائم والتقليل من الشأن بات يسجل بشكل ملحوظ في الفضاء التواصلي، لا سيما مع تكشف وانهيار كثير من الشعارات التي تم تقديسها سابقاً، فضلاً عن الإحباط الذي تكون نتيجة خيارات شعبوية أثبتت فشلها. إن السخرية اليوم تمثل أكبر مصدر تشكيكي تجاه الصناعة الوطنية، حيث أصبحت سمة عصرية لدى كثير من الشباب، بل وعلامة على الثقافة والإدراك!

إذن يمكن القول إن ثمة عوامل كثيرة تساهم في زيادة منسوب التشكيك أردنياً تجاه الصناعة المحلية، وهذه الأسباب تم تلخيصها دون ادعاء اكتمال باقي الأبواب في البحث عن عوامل أخرى كامنة. ولذا، ولأن تلك الأسباب لا تكفي لفهم المشهد بأكمله، فإنه يقتضي لزاماً البحث عن حلول تسهم في رفع مستوى الثقة بالمنتجات الوطنية وتغيير النظرة السلبية / التشكيكية تجاهها، والتي يمكن إجمالها بالتالي:

أولاً: الترويج الإعلامي
لا شك أن الإعلام أحد الأعمدة الرئيسية المسؤولة عن تشكيل الوعي الجمعي، وانطلاقاً من تعدد وسائل الإعلام في الفضاء العام، ما بين وسيلة الكترونية وأخرى تقليدية؛ تنبري مهمة دعم الأصوات القادرة على تشجيع ثقة المنتجات الوطنية لدى الشارع الأردني. هذا الدعم لا يمكن أن يكون اعتباطياً أو عشوائياً، إنما يحمل في طياته قدرة تواصلية ضمن أحدث الطرق والأساليب.

يستلزم هذا السياق البحث في إمكانية إنشاء منصة في مواقع التواصل الاجتماعي، تهدف للتعريف بأهمية المنتج المحلي، عبر آليات ترويجية مقصودة، وذلك عبر التركيز على "اقتصاد لفت الانتباه" الذي يوفر قدرة تحليلية تساعد على تنويع المعطيات التواصلية مع المواطنين، أي باعتبارهم نماذج وسلع مختلفة لها أذواقها التواصلية الخاصة. التعريف المتكرر بالمنتجات سيغير حتماً من سير التشكيك العام.

ثانياً: التركيز على كشف السلوك العدمي
ربما يكون أفضل وسيلة للدفاع هو الهجوم، هكذا يقال في المرويات الشعبية. ولأن التحليل أحياناً لا يكفي لفهم المشهد، فإنه يفضل أن نمتلك وسائل تعبيرية قادرة على كشف عوار المنهج التشكيكي لدى بعض المواطنين، حيث يكون دافعهم الأساسي هو الرغبة العارمة بالسخرية، ولذا فإن "الموميكس" و"الميمز" و"النشطاء المحبوبين" والفيديوهات.. كلها وسائل يمكن استخدامها لطرح الأسئلة من جهة ولكشف أسباب التشكيك تجاه الصناعة الوطنية.

ثالثاً: التأكيد على مستقبلية الصناعة الوطنية
إن أفضل مسار يمكن اتخاذه -إلى جانب مسارات كثيرة- هو تكثيف حملات التوعية عبر جلسات علنية ومكاشفة وذلك للتأكيد على مستقبلية الصناعة الوطنية بدلاً من الاتكاء على الوظيفة العمومية. هذه المكاشفة قد تجرح البعض بشكل نرجسي في البداية، ولكنها حتماً مع مرور الوقت ستتفهم الجموع ما تم بحثه واتخاذه.

التأكيد على مستقبل الصناعة المحلية يستلزم الحفاظ على القدرة التنافسية للسوق المحلية، وذلك عبر إفهام الناس أسباب ودوافع عدم رفع الأجور مثلاً، وأن الحاجة تقتضي تفعيل النموذج العائلي الفرداني الذي يعني عمل كل الأفراد داخل الأسرة بدلاً من النموذج الاتكالي الأبوي، وبأن لا مناص من دعم الصناعة المحلية حتى لا يكون مصيرنا مشابهاً لدول أخرى التي تضخم لديها عدد الموظفين بشكل لا يصدق، وانتشرت فيها نخب لا تؤمن بالدور الصناعي في تحسين وتقوية الدولة.

ختاماً، بحثت هذه المقالة عن أبرز الأفكار التي تساهم في تضخيم التشكيك لدى شرائح مجتمعية متعددة. وهذا المسار التحليلي، وإن سلك مسلكاً مغايراً عما هو معتاد، فإن الأساس كان البحث عن السياق الناظم (الشخصية والثقافية والاجتماعية والسياسية) لحالة التشكيك والسوداوية تجاه الصناعة الوطنية من خلال أطر متنوعة قادرة على التعاطي والاشتباك الإيجابي مع الثقافة الجمعية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :