غيشان يكتب: الزفاف الملكي، ماذا بعد؟
نبيل غيشان
03-06-2023 10:17 AM
أظهر الأردنيون إجماعا وطنيا غير مسبوق على حالة الفرح التي خلقها زفاف ولي العهد الحسين بن عبد الله الثاني، وهذا يتعدى مفهوم "الكشرة" و"السوداوية" التي رافقت صورة الأردني في العقود الماضية، فهل يعكس هذا تحولا ايجابيا عميقا لدى الرأي العام الأردني؟،
الزفاف الملكي وما رافقه من حملة إعلامية ذكية وناجحة لعبت دورا كبيرا في إعادة شد ووصل ما قطع من خطوط بين الدولة والمواطن بواسطة مؤسسة العرش، والسؤال الكبير اليوم كيف يمكن استثمار هذه الحالة الايجابية في استعادة الدولة لثقة الأردنيين وإعادة توصيل العلاقة واستمرارها مع الناس؟ .
في عام 2013 وفي ذروة الربيع العربي استطاعت الدولة الأردنية استعادة الأردنيين من الشارع، لأنها دولة محترمة لم توغل في دماء الناس ولم تعتقلهم بينما كانت ساحات الإقليم تمتلئ بالقتلى والمعتقلين، والأردنيون عادوا في لحظة اكتشافهم أن الفوضى عدوهم الأول.
إن إغماض العيون أسوأ الخيارات، لنعترف أولا أننا أمام حالة وجدانية عاطفية شعبية لا بد من استغلالها لإعادة وصل الكثير من الخطوط التي أرخيت، فالأولوية اليوم لإعادة التنظيم وليس لإلغاء القديم.
لا شك إن زفاف ولي العهد جاء نقطة تحول في مزاج الأردنيين نحو نظامهم السياسي الذي يغضبون عليه لحظة او يعتبون عليه لحظة أخرى، لكن لا بديل لديهم عن النظام الملكي والعائلة الهاشمية في حكم بلدهم.
العرس الملكي بكل لوحاته وتصاميمه من حفل الاقرى (عشاء العريس) وليلة الحناء وحمام وزفة العريس ووصية جلالة الملك لابنه العريس وصورة أم العريس بين الأردنيات، كلها صور ايجابية أثرت في الجمهور الأردني وخلقت انطباعا لدى جميع الأطراف بأن القطع مع الناس لن يستمر كثيرا وان إرضاء الأردنيين ليس صعبا، فالمهم التواصل معهم ومخاطبتهم بطرق وأساليب يفهمونها ولا تكون إملائية او استعلائية وحل مشاكلهم الاقتصادية، او جزء منها على الأقل.
واجهت المملكة الرابعة خلال العقدين الماضيين كثيرا من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أولها تركة ثقيلة من أصحاب المصالح وانقطاع الدعم المالي العربي وضخ إعلامي خارجي تحريضي خدش الكثير من الانطباعات الجميلة لدى الرأي العام، وهذا كله يمكن تجاوزه في التواصل الشفاف بين الدولة والناس والابتعاد عن مواطن الشبهات وسيادة القانون ومعالجة القضايا الاقتصادية وقول الحقيقة ونشر المعلومة وفتح قنوات الاتصال والحوار مع الأردنيين.
إن مسار التحديث السياسي والاقتصادي توج بزخم جديد، وأعطى ولي العهد (ملك المستقبل) دفعة جديدة وأدوات جديدة للمشاركة في قيادة هذه الحالة بعيدا عن شغب القوى القديمة ومراكز النفوذ وسياسة الاسترضاء المناطقي والديموغرافي، ولا شك أن الانتخابات النيابية القادمة هي فرصة كبيرة لاختبار عملية التحديث السياسي على ارض الواقع ومدى رضا الأردنيين وتجاوب معها وقناعتهم بها.
والسؤال الآن، كيف نحافظ على الصورة الايجابية والحالة العاطفية التي ظهر بها الأردنيون؟، وكيف نطور من علاقة ولي العهد مع الأردنيين واستثمارها في إعادة ترسيم العلاقة بين الدولة والأردنيين في المرحلة المقبلة؟، كيف نستثمر حالة الفرح الشعبي في مجابهة التحديات؟.
المطلوب اليوم دعم المؤسسات الدستورية واستعادة هيبتها ودورها وكذلك دعم القوى الاجتماعية والسياسية الصاعدة وعكس همومها وآمالها على عمل وإدامة المؤسسات الدستورية (حكومة، برلمان، أحزاب، وسائل إعلام) لتكون في يد الدولة الأردنية أوراق شعبية قوية ضاغطة في مواجهة عواصف وأعاصير الإقليم الملتهب.
وهذا يتطلب إعادة رسم حدود العلاقة بين الدولة والمواطن وحفظ الحق الدستوري للطرفين، فالحقوق لا يمكن أن تظهر إلا عند ممارستها وتوسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي من خلال أحزاب حقيقية وصناديق اقتراع نظيفة.
والمطلوب أيضا من أحزاب المعارضة الأردنية أن تكون شريكة في المرحلة المقبلة وأكثر قربا من الدولة لدعم ايجابياتها ونقد سلبياتها واقتراح الحلول، وكذلك على الدولة أن تطلق يد الأحزاب الوطنية في عملها السياسي تحت سقف الدستور.
فالدولة قوية ويجب أن تكون كذلك، لكن قوة الدولة لا تتأتى إلا من شعبها ومؤسساتها.