لا اظن احدا من حاشية القصر او طبقة الحكم في السلطة, قرأ او حاول ان يقرأ ويستخلص العِبر والدلالات من فرح الحسين, الذي حقق اعلى نسبة استجابة شعبية في الالفية الثانية, فمنذ عودة المغفور له الحسين الجد رحمه الله, من رحلة علاجه اوائل تسعينيات القرن الماضي, لم تهدر الحناجر ولم تمتلئ الشوارع, كما كانت الخميس الماضي, سواء على طول الموكب الاحمر, او في المحافظات الاردنية جميعها, لتبقى الشيفرة الاردنية بين الشعب والملك عصية على التغير او الفك.

فرغم احاديث حاشية القصر الدائمة وتصريحات الطبقة السياسية المتصلة, عن سوداوية الشعب الاردني, وعدم تصديقه للرواية الرسمية, وامتلاء الفضاء بالغث, الا ان الاردنيين ردوا تصريحاتهم الى حناجرهم, فالفرح يليق بالاردنيين فعلا وقولا, والسلوك الشعبي مضبوط على التوقيت الوطني, ولا يوجد فروق في التوقيت, فحفل " القرا" كان شاملا وممثلا لكل الفسيفساء الاردنية, ولم يشعر طيف اجتماعي او لون ديمغرافي بالغياب او التهميش, فالملك للجميع والعرش محمي بسواعد الاردنيين على اختلاف تلاوينهم.

اذن لماذا تزداد الاعراض الانسحابية عند الاردنيين من الحياة السياسية؟ سؤال بات واجبا طرحه, ومحاولة الاجابة عليه لم تعد ترفا او تنظيرا, فكل المشاريع المستقبلية مرهونة بحسن الاجابة, بعد ان كشف الاردنيوين حقيقة معدنهم الاصيل, وعمق علاقتهم بالعرش, وعمق تقديرهم للظروف الموضوعية التي تحيط ببلدهم, فخلال ايام الفرح, لم يصدر اي سلوك حتى ولو بسيط, يمكن ان يعكر صفو الفرح والدولة, ومشى الموكب الاحمر المكشوف دون ادنى غبرة, محاطا بالفرح والبهجة, في شوارع كل جوارها مسكون بالعنف والغضب وحتى الارهاب.

ولماذا يستجيب نبض الاردنيين لمليونيات الهاشميين, ولا يستجيبوا لدعوات غيرهم, حتى تلك التي تحمل شكلا اصلاحيا, سواء من المعارضة او من طبقة الحكم؟ الجواب واضح, ولربما يعرفه القاطنون في الطوابق العليا من طبقة الحكم, ومارسوه سلوكا واتعبوه استثمارا, فهم انتجوا دوما مصطلح " من فوق" وهم يختبئون تاريخيا خلف الملك, بل ويبدأون كل تصريحاتهم الخالية من الدسم, بلازمة مكرورة مفادها: "بناء على توجيهات سيدي صاحب الجلالة", وهم يعلمون انهم يلحنون في التصريح ولا يبرون بالقسم, لذلك كانت الاستجابة واضحة لمن يصدقهم ويصدقونه, وبنفس الوقت اكثر وضوحا لمن يحنثون ويقولوا ما لا يفعلون.

ما قاله عرس الحسين بوضوح, ان الاردنيين على عهدهم ووعدهم مع العرش ملكا وولي عهد, ومع استقرار بلدهم, لكنهم يرسلون برقيات الى الملك, ان طبقة الحكم ليست على نفس المسار, وانهم يعملون بزبائنية باتت مقلقة للجميع, حد ادارة الظهر لكل المشاريع الاصلاحية, فهم شاهدوا بأعينهم, كيف تم هندسة الاحزاب للزبائن, وكيف ان تحديث الادارة مجرد توضيب "النملية", حسب تعبيرنا القديم, واعادة لترتيب المخزن, لا اكثر, وان الاقتصاد يتم تحديثه بلا رؤيا وبما يخدم الطبقة الاقتصادية المسيطرة.

والمطلوب بوضوح تغيير النهج بما يخدم المنهج, فلم تعد ادوات الترقيع تصلح, واخشى ان استمرار هذا النهج, سيسحب رصيد المنهج, فتعود الشيكات الوطنية لعدم توفر الرصيد الشعبي, لا سمح الله.

نفرح بالحسين, شعار تحول الى ايقونة وطنية, ويجب استثماره وتحويله الى طاقة ايجابية تبعث الامل بالقادم, فالاساس الوطني متين ويحمل اثقالا سبق وان حملها الاردنيون في مراحل متعددة سابقة, وعلى استعداد ان يتحملوا لاحقا, شريطة اعادة تصويب العلاقة بين النهج والمنهج, واعادة الاعتبار لكل شعارات الاصلاح والتحديث والتطوير, من خلال الممارسة الفعلية, لهذه الشعارات والمشاريع, على ارضية العدالة, وليس على ارضية الزبائنية السائدة اليوم في صفوف الحاشية وطبقة الحكم.