يحتاج المجتمع الأردني إلى ردّ اعتبار اجتماعي ذاتي، فقد تخللت المرحلة الحالية والسابقة ردّات فعل سلبية انطوت على الكثير من التشنج والعصبية، ولم يكن بالإمكان، رغم المستوى الرفيع من المعرفة والعلم الذي ارتقى إليه المجتمع، وقف حالة التشنج التي صاحبت تلك الردّات، وأثرت سلباً على النسق الاجتماعي الذي طبع مجتمعنا الأردني منذ مراحل نشوئه الأولى..!!
في ظل ظروف يتعالى فيها صوت العصبية، قبلية، إقليمية، مناطقية، وأحياناً عائلية، لا بد أن تتخلخل الأواصر، ولا يغدو من قيمة حقيقية للوصال الاجتماعي، ففضلاً عن التشويه الذي يصيب صورة الوطن والإنسان، فإن المكنون الحضاري والإرث الإنساني الأردني يصبح هو الآخر في خطر، فأي مجتمع يستطيع أن يصمد أمام حالة التشوية والخلخلة والتهديد لإرثه وفكره وتقليده وهويته ونسقه الاجتماعي العام..!!؟
هذه مقدمة لأقرر بأن المجتمع الأردني دخل مرحلة من العنف المجتمعي، ليست أبداً من طبيعته، ولم تكن كذلك في أي مرحلة سابقة، ومن المهم أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم لمواجهة هذه الظاهرة بضراوة وإصرار، من مسؤولين ومفكرين وحكماء وزعماء عشائر وإعلاميين وأساتذة جامعات ومعلمين ومسؤولي منظمات مجتمع مدني ووعّاظ وعلماء وغيرهم، فلا يجوز السكوت على ظاهرة تهدد أمننا الاجتماعي وتُخلّ بالعقد الاجتماعي الذي بُني عليه هذا المجتمع، والذي كنا ولا نزال نفتخر به بين المجتمعات.. ومن واجبنا أن نحافظ عليه ونعززه، ونحميه من أي تهديد..
لأجل ذلك أرى أن الوقت قد حان للشروع بإجراءات عملية لدرء ظاهرة العنف المجتمعي بين الأردنيين، وأن الفرصة أصبحت مواتية للإعلان عن تشكيل حركة وطنية للسلم الاجتماعي، تعمل بكل طاقتها وإمكاناتها من أجل نشر ثقافة التسامح في المجتمع وإشاعة الحوار كثقافة إنسانية حقيقية يتعاطى بها الناس في كل شؤونهم، إضافة إلى التركيز على غرس قيم الدين العظيم في النفوس، وأنسنة النظرة إلى الأمور والقضايا التي تهم الناس، بعيداً عن المغالاة والتشدّد والتنطّع والعصبية..
لنعمل من أجل حركة وطنية للسلم الاجتماعي تكرّس حالة الوحدة والاعتصام بالحق والمباديء السمحة، وتنبذ العصبية والتمسّك بالنعرات أنى كانت.. هي حركة تعمل من أجل الإنسان، وتحمي الوطن، وليس من أهدافها أن تتدخّل بالخصوصيات، لكنها تقف سدّا أمام تأجيج الخصومات أو تحشيد الخلافات.. حركة يتداخل فيها الاجتماعي بالاقتصادي.. السياسي بالثقافي لتؤتي منتوجاً إصلاحياً شمولياً يصب في الصالح العام اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وسياسياً..
إنني إذْ أعلن عبر هذا المقال عن ملامح هذه الحركة لأوجّه دعوة إلى أصحاب الفكر والرأي وأهل السياسة والاجتماع ونواب الأمة إلى المبادرة والتفكير في هذا الأمر لوقف حالة الاستنزاف الذاتي للمجتمع الأردني، وإحياء روح التسامح والحوار، وتعميق أواصر الوفاق حتى في حالات الاختلاف وتعدد الآراء.. ونأمل أن ترى الحركة الوطنية للسلم الاجتماعي النور قريباً.. إشعاعاً حضارياً إنسانياً تنويرياًً أردنياً.. فلعل وعسى هذه الحركة تفضي إلى وقف ظاهرة العنف، وتضفي على الأردن سلاماً اجتماعياً وارفاً..
فسلام عليك أيها الأردن وسلام على الأردنيين...
Subaihi_99@yahoo.com