تتلاحق الأحداث، وتتشابك الأسباب بالنتائج، ويتوه القرار، لحظة حرجة تحدد المصير، فلا وقتها ينفع صاحب القرار قراره، ولا يسنده من قد سند وستر مصائبهم، ويكون قد اوقع كل أركان المؤسسة «المدينة» في حالة ذعر تعصف بعشرات السنين من العمل، فلا إستراتيجية تنفع وقتها، ولا عقل قادر على استيعاب ما يصدر من معلومات متسارعة غير مضبوطة، ولا قرار صائب يحمي ويعالج يمكن اتخاذه.
ما اسلفته باختصار يسمى في علم الإدارة «الكارثة» ذات الدمار الشامل، والخسائر بالممتلكات والأرواح، والتي يحدثها عجز العقل الضابط، والرقيب للسياسات والانظمة، أو ما يسمى بالكوارث الطبيعية، في الأولى يستوجب التحقق والتحقيق من المصالح لمعطل السياسات والإجراءات، وفي الثانية تستوجب الجاهزية المسبقة للتقليل من عدد الخسائر لا أكثر.
المشكلة أننا في إدارة الازمة ننتظر صافرة الإنذار! في وقت هي ليست أكثر من اعلام بوقوع الحدث، أو التنبه لإمكانية وقوعه عند تكرارها، وهي ليست المنقذ من العواقب بالرغم من اهميتها الكبيرة.
مسؤولية مشتركة هي خطة النجاح، ولكن يقع على عاتق المسؤول المباشر داخل المؤسسة او المدينة ضمان تحقيق الضوابط المانعة لأي خطر محتمل، والمقصود ليس خططا ورقية بقدر ما هو وعي بالمسؤولية والمساءلة، تتجاوز أصل الخطر ومسببه وسببه، مسؤولية بقدر المنصب الذي كُلف به، وليس بحجم توجيه ومصالح مصدر الخطر الباحث عن مكسب خاص، سواء كان ستار حماية الاستثمار، أو ستار المصلحة العامة، أو ستار جواب جهة ما ان الأمر ليس من مهامنا، كون ما سبق لا يحقق الستار الأهم في أي موقع أو مؤسسة أو دولة، والذي يتمثل بحياة المواطن الأغلى والأهم في حال كان فعلا هو أولوية السياسة والاقتصاد وإستراتيجية البقاء المستمر.
فالكارثة ودمارها تطال الجميع دون استثناء! وفي أماكن محددة على وجه الخصوص، كالمدن المتكاملة بأركان الحياة من اقتصاد وسياحة وتنمية وأسلوب حياة، يستوجب أن نفكر ونعمل ونضمن الضابط أكثر من أي مكان آخر. فخزان موت في قلب مدينة ما، وان كان حسب المواصفات العالمية بالإدعاء فهو لا يقارن بخزان موت في وسط صحراء مدينة أخرى، وشبكة خطوط غاز مذيب في وسط عصب اقتصادي وشريان حياة وامداد مدينة سياحية ساحلية ما، فأنه لا يقارن بمسارات ذوبان وخطر في صحراء مكان ما، وحمولة بودرة كبريت في باخرة ما على رصيف ما، تتكرر حوادثها لرخص مواصفة ما، يختلف عن حبيبات كبريت قادم بجودة على باخرة في رصيف آخر، فالفرق واضح والنتيجة ذوبان واحتراق وعجز في شريان منظومة كاملة ولا أقل من ذلك، فهم مهما جلسوا واجتمعوا وتوافقوا وماطلوا واصدروا من وثائق سميت فحوصات واعتمادات عالمية ما زالوا يناطحون اصل مفهوم السلامة والضرر مستمر.
في الوعي المؤسسي من يقرأ الكوارث المتكررة ويبقى صامتا دون إجراء بحجم وطن وجب على من هو أوعى وطنيا أن يستجوبه ويقف على غاية صمته، وفي الوعي المؤسسي من يعطل قانونا تحت ستار المصلحة العامة وجب سجنه، وفي الوعي المؤسسي من لم يقف على مسؤولية الرقابة والانفاذ لكل متطلبات السلامة العامة وبأعلى مهنية ووطنية وجب عزله، وتستمر القائمة بما يستوجب بحق من كُلف ولم يكن بقدر مكانة تكليفه.
رسالتي لجهة مسؤولة في حكومة ما، مفادها ليكن اهتمامكم ودوركم وفق مصلحة واحدة ركيزتها سلامة وطن وليس شركة أو شخص نستميله، لتكن مرجعيتكم أبعد من وثيقة سلامة منشأة يقدمها صاحب مصلحة، أو توجيه متنفذ أو فاسد يخدم مصلحته الخاصة، فقراءة كوارث الطبيعة الأخيرة من زلازل وفيضانات وتغير مناخ عالمي ليست بعيدة عنا، وأعلموا انها لا تعترف بورقهم ولا جهة صدورها، وأعلموا أن الرشاد المطلوب والأصدق هو رشاد الفكر المبني على واقع نسجل حوادثه يوميا وليس اسم لشخص مدعوم.
(الغد)