الانتخابات التركية والهجرة الاقتصادية (1)
د.محمود فراج
31-05-2023 01:34 PM
أما وقد انتهت الانتخابات التركية بجولتيها وانتصار الرئيس الطيب اردوغان اجدني لابد من تحليل الخطاب السياسي وربطه بالواقع الاقتصادي وبخاصة موضوع الهجرة فدعونا نتلمس الخطى وقراءة ذلك بواقعية وتحليل.
ولعل اكثر ما لفت انتباهي في هذه الانتخابات التركيز على موضوع المهاجرين ووعود المعارضة بابعادهم خلال عامين على اكثر تقدير ، وفي هذا الخصوص دعوني ان اركز على موضوع الهجرة بشقيها البشري والمالي .
الهجرة البشرية ليست وليدة اللحظة وليست تركيا هي الدولة في العالم التى بها عدد مقدر من المهاجرين من شتى الدول من جميع انحاء العالم وليس فقط من الجنسية السورية كما تدعي المعارضة التركية ، امر الهجرة له تأصيل شرعي بدأ منذ هجرة المسلمين الاوائل الى المدينة المنورة من مكة المكرمة وتشكيل مجتمع جديد بين المهاجرين والانصار.
ذلك ان المهاجرين عندما قدموا الى المدينة المنورة استقبلهم الانصار من ابناء المدينة بشكل اخوي لم يسبق له مثيلا في التاريخ وعرضوا عليهم تقاسم كل ما يملكونه من اموال وممتلكات بشكل يفصح عن معاني الايثار في ابهر صورة.
وتكاملت الجهود بين المهاجرين والانصار واستفاد كل طرف منهم من خبرات الآخر فاهل مكة المهاجرين هم اهل تجارة واهل المدينة المنورة هم اهل زراعة وري ، فكان رسولنا الكريم اول من وضع لبنات هذا التآخي وتعزيز قوة اقتصادية جديدة تمثلت في تنظيم اعمال الزراعة والرى والتعدين والتجارة ، فكانت قيمة مضافة لمجتمع لا زالت تتشكل مقوماته الرئيسية في ذاك الزمان ، فالهجرة الي المدينة المنورة لم ينظر اليها قط انها هجرة سلبية بالرغم من المضللين والمنافقين في المدينة المنورة حاولوا بشتى الطرق توليد الخلافات بين المهاجرين والانصار ولكن رسولنا الكريم وأد الفتنة في مهدها ولم يسمح للمتطرفين والمنافقين بان يزعزعوا الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الذي تشكل والتي باتت ثماره واينعت حتى الان .
الهجرة في عمومها لها شفان اساسيان هما الهجرة البشري والهجرة المالية ( واقصد بها هجرة رؤوس الاموال ) من دولة الى أخرى كما اسلفنا سابقاً ، وتنقسم الهجرة البشرية الى مجموعة ومتنوعة ولكن للتبسيط يمكننا ان نقول هجرة دائمة ( تتمثل في منح التجنس والاقامة الدائمة في بلد آخر بسبب العمل او الانتقال او الدراسة ) وهجرة مؤقتة تتمثل في السياحة والعلاج والتجارة ، فالعالم كله الان يعمل على تعزيز البرنامج السياحي لديه من خلال تنظيم الرحلات الترفيهية وتقديم الخدمات العلاجية وتيسير اجراءات التأشيرة والدخول اليها، حيث تدرك الحكومات المقدمة لهذه العروض اهمية السياحة او الهجرة المؤقتة وما تضيفه للناتج القومي للدولة من عملات ودخل اضافي لها ،ويمكننا أن نقدم مثالاً حياً لما تقدمه دول متعددة في هذا الخصوص كإمارة دبي بدولة الامارات العربية المتحدة التى تنظم سنوياً العديد من الفعاليات كمهرجانات التسوق والقرية العالمية التى تنظم سنوياً ولمدة ستة اشهر تضم خلالها وتجمع كل العالم في منطقة معارض متخصصة يقصدها الداني والقاصي بالاضافة لتنظيمها للمؤتمرات الاقتصادية والطبية والفعاليات الاخري على مدار العام ، كما شهدنا تجربة دولة قطر في تنظيم كأس العالم الاخير وما تبعه من تقديم تسهيلات كبيرة لحملة بطاقة هيا للقدوم اليها والترويج لمختلف الفعاليات السياحية والترفيهية والبرامج الذي تجذب السائح من كل اطراف العالم ، ولعلني ابتدرت مثالي بهاتين الدولتين الخليجيين اللتان تشتهران بقوة مواردها المالية وقوة اقتصادها ووضعها المالي الذي يشهد له الجميع حول العالم، لم تأتِ قرارات تشجيع الهجرة المؤقتة اليهما لضعف اقتصادهم وانما لفطنة القائمين على ادارتهما للحاجة الى التنوع في المدخول الاقتصادي لهما واهمية وجود هجرات مؤقتة منتظمة من شأنها ان تجبر او تضطر القطاع الخاص والعام الى تنويع وتقديم الخدمات المطلوبة من قبل الوافدين عليها ضمن هذه المنظومة، ومن ثم اضافة قطاعات اقتصادية جديدة او تطوير القائم منها كالقطاع الفندقي وقطاع المواصلات والاتصالات وقطاع الطيران والقطاع الترفيهي ، وفي هذا الصدد يمكن ان نلحظ وبوضوح تجربة المملكة العربية السعودية في تسهيل السياحة الدينية من خلال تيسير اجراءات الحصول على تأشيرة الدخول اليها وهي الدولة التي كانت تعتبر الحصول على تأشيرة من اصعب الاجراءات، كل ذلك التيسير وتقديم التسهيلات من خلال خطوط الطيران لزيارة المملكة العربية السعودية من شأنه ان يؤثر وبشكل ايجابي على زيادة الهجرة المؤقتة اليها ( للسياحة الدينية او السياحة الترفيهية ).
فتطورت قطاعات كثيرة داخل المملكة منها على سبيل المثال قطاع الضيافة كالفنادق والطيران ولعل آخر الاخبار ما تم نشره عن نية المملكة اضافة ناقل جوي آخر يتميز بانه الذراع الاقتصادي للناقل الجوي السعودي بالاضافة الى قطاعات اخرى كثيرة تطورت او وجدت نفسها امام قطار التطوير نظراً لما تشهده المملكة العربية السعودية من طفرة اقتصادية كبيرة، هذه الطفرة كانت لها تأثير واضح بانتقال العديد من مقرات الشركات والمؤسسات الاقليمية الى المملكة وفتح افرع تمثيلية لها فيها، هذه النماذج الثلاث لدول خليجية تمتاز بوضع اقتصادي مستقر ووضع مالي مميز وتصنيفات ائتمانية مستقرة بشكل كبير قدمت كل تلك التسهيلات والحوافز لقطاع الهجرة المؤقتة ، والذي تميزت به الجمهورية التركية في العشرين عاماً الماضية من خلال تقديم المنح الطلابية الجامعية للعديد من دول العالم ، بالاضافة الي الاقامة السياحية والعقارية ومختلف انواع التأشيرات، التي عززت من مكانة تركيا كوجهة سياحية تعليمية وطبية وترفيهية بشكل كبير مقارنة بفترات سابقة، لذلك كان من المستغرب ان يتم الزج بموضوع المهاجرين بشكل مضلل خلال الحملات الانتخابية فالجميع يعلم ان ذلك هو مجرد خطاب سياسي لا يمكن تنفيذه على ارض الواقع لتعارضه مع القيمة الاضافية التي يقدمها للاقتصاد التركي.