حين كان رئيس الوزراء البريطاني #وينستون_تشرشل مجرد ضابط في الجيش الملكي البريطاني، وفي مهمة كان قد أُرسِل فيها الى مستعمرة الإنجليز في الهند وتحديدا أواخر القرن التاسع عشر.
هناك جيش كان يسعى تشرشل لبناء اسطورته العسكرية حيث سمع عن حرب تقاتل فيها الوية من الجيش البريطاني في شمال غربي الهند اي افغانستان الحالية حيث الجبال وقبائل من البشتون تمردت على سلطة الإنجليز، فقرر الضابط الشاب خوض غِمار المعركة لتعطشه للقتال لكن ما جرى ربما قضى على هذه الرغبة كلياً حيث لم تكن هذه حرباً عادية، لدرجة ان الكتائب البريطانية اضطرت للإنسحاب في الساعات الاولى للمعركة، ولشدة ضراوة مقاتلين الباشمون اضطر تشرشل ورفاقه لترك الضابط الجريح لكي ينجو بأرواحهم، حادثة لن ينساها الرئيس الذي قاد الانتصار في الحرب العالمية الثانية وربما هي ذاتها الحادثة التي اجبرته بما نُقل عنه انه، لا يمكنك الانتصار حيث يكون هناك عقيدة ويحملها رجال، سيمر قرن من الزمان على تلك الحادثة وستتطور الجيوش ويجري ابتداع انواع كثيرة من الاسلحة لكن ستبقى القاعدة التي اعلنها تشرتشل تثبت انها ما زالت قيد العمل.
السلاح الذي لا يصدأ في ثمانينيات القرن الماضي ايام حرب السوفييت على افغانستان الحرب التي دقت المسمار الاخير بنعش الامبراطورية الشيوعية التي ظن قادتها انها لن تسقط ابدا كان السوفييت يملكون اعتى اسلحة العالم واحد اكثر الجيوش مهارة وتدريباً وحتى وحشية لكن وعلى الرغم من ذلك لم يصمد هذا الجيش امام مجموعات مسلحة متفرقة متناثرة بين الكهوف وعلى رؤوس الجبال فكان سلاح الآر بي جي بيد احد مقاتلين #طالبان يوازي طائرة ميج روسية مدججة بالصواريخ كانت معركة فتحت الباب امام نوع جديد من الحروب يتساوى فيها القوي مع الضعيف.
لاحقا وفي سنوات التسعينيات سيبدأ في جنوب لبنان استخدام هذا النوع من القتال ضد حيش الاحتلال الاسرائيلي وسيسفر عن ذات النتيجة التي انتهت حرب افغانستان الاولى انسحاب للجيش الاقوى ليصبح هذا النوع من الحروب بديلاً عن اعتى الاسلحة وسيتبناه كثيرٌ في المنطقة و تحديداً حيث #العقيدة وحيث الرجال المؤمنون بها وبغض النظر عن هذه العقيدة اياً كانت باتت الدافع والمحفز وبالتالي اصبحت هي السلاح
فهي ذاتها ستنجح في غزة ويتجبر ذات جيش الاحتلال على الانسحاب من القطاع عام ٢٠٠٥ امام الفصائل الفلسطينية التي لم تكن تمتلك الا القليل من الرجال الذين يحملون الكثير من الايمان وحتى بعد ذلك سيعيد الجيش الاسرائيلي اقتحام لبنان عام ٢٠٠٦ لكنه لم يكن استوعب الدرس بعد وسيجد ذات النتيجة وينسحب بذات الكيفية دون ان يحقق اهدافه وستمر سنوات بعد ذلك ويندلع ما يعرف بـ "ربيع العرب"الذي سيصبح مسلحاً في بعض الدول وتندلع ما تشبه الحروب الاهلية في بعض البلدان حروب لم تتمكن الجيوش النظامية من حسمها كما حصل في سوريا على سبيل المثال بل ان المقاتلين المعارضين كادوا يُوقِعون هزيمة بالنظام لولا ان الدول التي تقف خلف هذا النظام ضربت مقاتلي المعارضة بنفس ذات السلاح اي مليشيات مسلحة ومدججة بعقيدة.
حتى روسيا التي استوعبت الدرس من الثمانينات ومن حروب القوقاز حين قررت التدخل في سوريا وعت جيداً ان الحرب التقليدية لن تنجح بالحسم فابتكرت ميليشيا لاحقا اطلقت شركة خاصة حملت اسم فاغنر وارسلتها الى هناك وفعلاً اثبتت نجاعتها وذات الامر فعلتهه ايران في سوريا حين جمعت ميلشيات من دول اخرى وارسلتها للقتال في ذات البلد
وبغير المثال السوري الى بلد عربي هو اليمن.
حيث تكون تحالف عربي عُقب سقوط نظام علي عبدالله صالح وانقلاب #حوثي على النظام الجديد تحالفٌ ضم جيوش نظامية لكنها ظلت سنوات من دون قدرة على حسم الحرب على المليشيات الحوثيةوحتى التقدم الوحيد الذي جرى في جنوب اليمن كان على ايدي مقاتلين من ابناء الجنوب استخدم النهج الذي يستخدمه الحوثيون في القتال
ولان هذا الامر اثبت جدواه سترى مناطق اخرى من العالم ستعيد تطبيقه والمثال الابرز ربما حضر في اوكرانيا حيث اعتقد كثيرون ان حرب الروس على جيرانهم لن تستغرق الكثير من الوقت فلا توجد مقارنة بين ما تملكه #موسكو وما هو لدى كييف وغَفِل الروس ربما عن دروس الماضي ولكن الاوكرانيين كانوا بمثابة تلميذٍ نجيب فردوا على الروس بالسلاح الذي بات لا يفشل ميليشيات ومقاتلون متفرقون بمقابل الجيش النظامي الروسي حيث اضطرت موسكو للانتباه لاحقاً واستدعاء فاغنر لدخول الحرب.
وعن آخر هذه الأمثلة دار صراعٌ مؤخراً في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع فعلى الرغم مما يمتلكه الجيش السوداني من اسلحة وعلى رأسها الطيران إلا انه لم يتمكن من احراز تفوق قوات الدعم السريع التي كانت قد نشأت بداية من ميليشيات قاتلت في #دارفور واعتادت الحرب بالطريقة ذاتها التي نتحدث عنها من بداية هذا المقال والتي يمكن تسميتها المعارك الرمادية وبعد هذا الاستعراض السريع يُمكن القول ان هذا النوع من الحروب حيث الجماعات المنتظمة المسلحة لكنها غيرُ نِظامية بل هي هجينٌ بين فكرة.
الجيش والميليشيا هذه التي تعتمدُ اسلوب حرب المُدن او حرب الشوارع ليس بالسهولة هزيمتها مهما بَلَغَت قوة الخصوم فَلَكَ ان تتخيل أن جيشاً نظامياً قَدِمَ للقتال في إحدى الدول ولم يجد جيشاً منظماً امامه بل وجد مقاتلين متفرقين يخرجون له من كل مكان يضربونه بأسلحة خفيفة لكنها تُحدِثُ ضرراً بالغاً فيه ثُم يَفِرّونَ منسحبين ويعاودون الكرَّةَ وهكذا توالت هذا استنزافٌ واضحٌ للجيش مهما بلغت قوته والخسائر التي سيتلقاها هؤلاء المقاتلون المتفوقون ستكون قليلة جداً بالمُقارنة بما سيخسره الجيش النظامي ولا يمكن لأي جيش مهما بلغ من القوة حَسم حرب تجري بهذه الطريقة.
#نفهم
لذا سنفهم لما ابتكرت امريكا شركة #black_water في العراق بعد احتلاله واسقاط نظامه عام ٢٠٠٣ وسنفهم لما اعادت امريكا الاستعانة بفكرة الميليشيات حين تبنت الميليشيات الكردية في الشمال السوري لقتال داعش وسنفهم لما خلقت روسيا قوات فاغنر وسنفهم ايضا لما تمكنت ايران من احكام قبضتها على عدد من العواصم العربية
وسنفهم ايضاً لما لم يصمد الجيش الأفغاني طويلاً امام حركة #طالبان بعد الانسحاب المريكي الاخير المُذِل من افغانستان فالأمرُ لم يَعُد سراً، فكُلُّ ما تحتاجه هو رجالٌ أشِدَّاء وتُعَززه بعقيدةٌ كما تفعلُ ايران او القاعدة او غيرهما او بالمال كما فعلت امريكا و روسيا وضعهم في ساحات الحروب والمعارك وترك الأمرَ لهم فالجيوش النظامية بمقابلهم ربما هي قادرة على تدمير مؤسسات ومدن وهدم منازل الآمنين ولكنها بالتأكيد لم تتمكن من هزيمة رجال متفرقين يختبئون ويخرجون لهم فجأة من كل مكان يضربون وينسحبون ما يعني ان الموازين اختلفت وانه بات حتى الضعيف الصمود او حتى الإنتصار في حال امتلكت رجالاً وعقيدةً تُشَجِّعُهُ على القتال وهذا سلاحٌ أثبت نجاعته مُنذ اكثر من ١٠٠ عامٍ واثبت انه لا يصدأُ مع مرور الزمن.