قبل نحو عشرة اشهر اثارت وكالة "عمون" قضية المهاجر العربي في الولايات المتحدة "انيس الصوص" الذي اتخذت محكمة الهجرة في ميشغن قراراً بترحيله الى الاردن في التاسع من كانون الثاني الماضي. وبعد معاناة دامت سنوات طويلة مع دوائر ومحاكم الهجرة الاميركية، ونفاد ما كان يملكه من اموال، متنقلاً من محام الى اخر، وبعد ان وصل الى طريق مسدود، نظم اصدقاؤه ومعارفه حملة تواصل مع المسؤولين على المستويين الفدرالي والمحلي وشاركت معهم منظمات وهيئات المجتمع المدني في ميشغن والاجهزة الاعلامية ومكتب عضو الكونغرس الاميركي من ولاية ميشغن جان كانيور الذي تبنى قضية انيس الصوص قبل يومين من موعد الترحيل الى الاردن.
رضخت دائرة الهجرة للضغوط التي حملتها عشرات الالاف من الرسائل الالكترونية والتواقيع من مواطنين اميركين، واصدر مدعي عام دائرة الهجرة قراراً بوقف الترحيل لمدة ثلاثين يوماً ليتسنى للدائرة مراجعة قضية الصوص البالغ من العمر خمسة واربعين عاماً، والذي جاء الى الولايات المتحدة لمتابعة دراسته الجامعية في جامعة وين ستيت في بداية ثمانينيات القرن الماضي. وحين تخلف الصوص عن الدوام الجامعي في "وين ستيت" ولم يتمكن حينها من معالجة وضعه القانوني أصبح مهاجراً غير شرعي مثل اثني عشر مليون متواجدين في الولايات المتحدة معظمهم من المكسيك ودول اميركا اللاتينية.
تزوج انيس الصوص عام ثمانية وثمانين، وانجب ستة ابناء جميعهم اميركيون، كبرى بناته انهت البكالوريس في الرياضيات والتحقت ببرنامج الماجستير في جامعة ميشغن والاخرى انهت دراستها الجامعية من وين ستيت في ديترويت، في حين جاهد الوالد انيس الصوص واستطاع امتلاك شركه صغيرة للنقليات وفرت له ولعائلته حياة كريمة.
مباشرة بعد احداث الحادي عشر من ايلول عام الفين وواحد اوفقته سلطات الهجرة الاميركية وما لبثت ان اخلت سبيله بعد ايام بكفالة مالية قدرها عشرة الالاف دولار. ومنذ ذلك التاريخ بدأت معاناة الصوص التي انتهت في الاسبوع الماضي حين اصدر قاضي الهجرة قراراً بالغاء الترحيل ومنحه الاقامة الدائمة "الكرت" الاخضر بعد ان ساعد عضو الكونغرس جون كانيور في انتزاع قرار خاص من اللجنة التشريعية في الكونغرس يبطل قرار الترحيل ويمنح الصوص حق الاقامة الدائمة في الولايات المتحدة.
ويعد مشروع "القرار الخاص" بمثابة مذكرة يتبناها عضو الكونغرس لحماية المهاجر غير الشرعي من قرارات الترحيل التي عادة مايصدرها قضاة الهجرة.
واثار "مشروع القرار" الخاص الذي قدمه عضو الكونغرس الاميركي جان كانيور نيابة عن "الصوص" حفيظة المدافعين عن حقوق المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون في اميركا لان هذه "المشاريع الخاصة" تستثني مئات الالاف من المهاجرين وتعيق تمرير قوانين شاملة لمصلحتهم، كالذي فشل الكونغرس في المصادقة عليه في الثامن عشر من الشهر الجاري. وتقول وندي سفسف المتحدثة باسم "مركز واشنطن لحقوق الهجرة" ان الكونغرس قام بتمرير مئة واربعة قوانين خاصة لمهاجرين غير قانونين مثل انيس الصوص. غير انها انتقدت بشدة اجراءات الترحيل التي نفذتها دوائر الهجرة الاميركية هذا العام الفين وعشرة بحق ثلاثمئة واثنين وتسعين الف مهاجر غير شرعي معظمهم من اصحاب السجلات الامنية النظيفة. مضيفة ان على الكونغرس التركيز على الصورة الاشمل والاعم لمشاكل الهجرة والمهاجرين غير القانونين في الولايات المتحدة ومحاولة ايجاد حلول ناجعة ودائمة لقضاياهم.
وتزداد مخاوف مسؤولي الهيئات والمنظمات الاميركية المدافعة عن حقوق المهاجرين غير الشرعيين حين تنتقل "الزعامة" في الكونغرس الاميركي بداية العام الجديد من قبضة الديمقراطيين، الذين عادة مايدافعون عن حقوق الاقليات والمهاجرين غير الشرعيين، الى الاغلبية من حزب الجمهورين الذين يستعدون لاثارة موضوع حرمان الاطفال المولودين في الولايات الاميركية لوالدين اجانب من حق الحصول على الجنسية الاميركية، اضافة الى مواقف الجمهورين بشكل عام المتصلبة حيال الهجرة غير القانونية في اميركا. غير ان هذا الموضوع سيكون سيفاً ذا حذين بالنسبة للجمهورين الذين يطمحون للحصول على اصوات الاقليات اللاتينية في الانتخابات الرئاسية القادمة. مع ان الديمقراطين الذين سيستمرون في السيطرة على مجلس الشيوخ، سيعملون على افشال اية محاولات لفرض مشاريع قوانين قاسية ضد المهاجرين غير القانونين بغض النظر عن جنسياتهم واصولهم. ويقول احد زعماء الجاليات اللاتينية ان اكثر من اثنين وعشرين في المئة من اصوات الناخبين في انتخابات الرئاسة الاميركية لعام الفين واثني عشر ستكون اصواتاً للاقليات اللاتينية، وبالتالي فأن اي مرشح لن يتسنى له النجاح اذ لم يحصل على اغلبية هذه الاصوات.
ويؤكد الناشط العربي الاميركي صلاح الدين المومني المتابع والداعم لقضية الصوص منذ البداية ان القاسم المشترك بين قضية انيس الصوص وعائلته من جهه وملايين القضايا المتعلقة بالمهاجرين غير القانونين في اميركا تتمثل في المعاناة الانسانية التي تعيشها عائلاتهم البريئة التي في كثير من الاحيان يحرم افرادها من الحصول على الفوائد الاساسية لتسير امورهم الحياتية اليومية. ووجه المومني نصيحة الى العرب الاميركين بأحترام وعدم مخالفة القوانين الاميركية مضيفاً اننا نحتفل اليوم مع انيس الصوص وعائلته بحصوله على الاقامة الدائمة في اميركا. ولو لم يحترم الصوص القوانين الاميركية، ولو لم يكن صاحب سلوك ممتاز وسمعة عطرة لما تحقق له ما اراد.
ويقول انيس الصوص ان قرار الغاء الترحيل جاء بعد الحملة المركزة والشريفة التي نظمتها منظمات وهيئات الدفاع عن حقوق المواطنين مثل اللجنة العربية الاميركية لمكافحة التمييز ولجنة الدفاع عن ابناء المهاجرين المولدين في الولايات المتحدة والاجهزة الاعلامية والتأثير الايجابي لعشرات الالاف من الرسائل والمكالمات الهاتفية التي وصلت الى دوائر ومحاكم الهجرة مطالبة بتحقيق العدالة.

Williams@myacc.org