الثقافة و الصحافة الأردنية
سارة طالب السهيل
27-05-2023 01:00 PM
كانت الصحافة الاردنية ولا تزال مرآة عاكسة لنبض الشعب ومعبره عن طموحاته وأحلامه ومحافظه على موروثه وزاده الحضاري والثقافي ، وجسرا للتلاقح الفكري والابداع محليا وعربيا وعالميا.
عنيت الصحافة الأردنية بنقل المورث الثقافي والإنساني ، و اصطبغت منذ نشأتها عام 1920 وحتى خمسينات القرن الماضي بالطابع الثقافي الأدبي في التعبير عن مضمونها الفكري والادبي ، وبسببها نشطت الحركة الشعرية ، فلم تعد ذائقة المتلقي الاردني قاصرة على تلقي ابداع الشعر البدوي فحسب بل تعداه الى تذوق شعر التشطير والمعارضات غيرها.
كما حظي الإبداع النثري والنقد الأدبي باهتمام الصحافة الأردنية ، فعرفت الرواية والقصة بشكليها القصيرة والطويلة ، بجانب تناول الأدب العربي والعالمي والمقالات عن قادة الفكر والابداع العربي والعالمي.
واشتهرت حقبة خمسنيات القرن الماضي ببزوغ شمس الصحافة المتخصصة بالادب والثقافة مثل مجلة الحمامة ، وجريدة جزيرة العرب ، و الحكمة وصوت الجيل ، و الوعي ، و القلم الجديد ، و الرابطة الفكرية ، لكنها عانت من مشكلات عدم الانتظام في الصدور ، و ضعف الإمكانات المادية.
ولما كان الإنتاج الأدبي مسيطرا على المنتج الصحفي آنذاك ، فكان معظم كتابها من الادباء والمثقفين وليسوا من السياسيين أو الصحفيين المهنيين ، وهو ما انعكس في غلبة الطابع الادبي على كتابة المقالات والتقارير السياسية.
تمازجت الصحافة مع الادب في هذه الحقبة و ساهمت في تشكيل الوعي الفكري والبناء الثقافي للمجتمع الاردني , وكلاهما ساهم في تطوير الاخر وانتشاره.
أما حقبة الستينات فقد شهدت تراجع الصحافة الادبية للمجلات ، وبزوغ نجم الصحافة اليومية كالرأي وغيرها فعملت على تقديم تغطيات للانشطة الثقافية والأدبية و تخصيص جزء من مساحتها للشؤون الثقافية والأدبية ، وتطورت التجربة بإصدار ملاحق أسبوعية متخصصة تعنى بالشأن الثقافي.
مثلت الملاحق الثقافية بالصحف جسرا مهما لعبور المبدعين الى الجمهور بسلاسة ، وقامت بالعديد من عمليات التبشير بكتب وكتابات أدبية وفكرية وفلسفية ، وتقديم أسماء شابة نضجوا ومع الوقت صاروا نجوما لامعة في المشهد الثقافي العربي ، وفتحت الباب للباحثين والنقاد لطرح فكرهم مع فتح الباب للمشاركة العربية فاستقطبت اقلام أعلام الثقافة العربية.
حققت الصفحات الثقافية والملاحق بالصحف الاردنية نجاحات كبيرة في جذب جمهور القراء بفعل عوامل عديدة أهمها ان مسئولي هذه الصفحات ومديري تحريرها في معظمهم كانوا من الكتاب الادباء والمبدعين ، ومنهم ابراهيم العلوجي المشرف على الملحق الثقافي الاسبوعي لصحيفة الرأي ، فهو أحد ابرز مؤسسي الصحافة الثقافية بالاردن والعالم العربي ، وصاحب أشهر كاتب عامود ثقافي يمزج بين التأمل الفكري والثقافي بالواقع السياسي ، وتتلمذ الكثيرون على يديه.
استفادت صحيفة الرأي من خبرات الرواد الصحفيين والادباء ، مثل جمعة حماد عميد الصحافة الاردنية الذي تولي ادراتها علي مدار اثنتي عشر عاما ، و ايضا استفادت من خبرات الاديب عبد الرحيم عمر الذي ساهم في تأسيس الصحيفة منذ البداية وهو من كبار مبدعي الاردن وله جائزة باسمه لافضل ديوان شعر عربي أطلقتها رابطة الكتاب.
كذا أسهمت الصفحات الثقافية بالجرائد الاردنية وعلى رأسها " الرأي " في وضع رواد الحركة الثقافية في صدراة المشهد الثقافي واستكتابهم بمقالات أسبوعية مثل الكاتب الراحل حسني فريز ، اسثثمارا لتجاربه الابداعية وتوجهاته الفكرية وعطائه الممتد بين الشعر والقصة والترجمات.
وحملت ذاكرة القراء العامود الاسبوعي" سواليف " بصحيف الرأي ، للكاتب الصحفي والمسرحي أحمد حسن الزعبي ومعالجته لقضايا المجتمع الاردني السياسية والاجتماعية والفكرية.
ولما كان مديروا الصفحات الثقافية والملاحق الاسبوعية بالصحف الاردنية مثقفين ومبدعين فغلب الطابع الثقافي علي الاعلامي لديهم ومن ثم أثري المشهد الفكري والابداعي الاردني علي مستوى الابداع والتلقي معا ، واكتسبت الملاحق الثقافية ألقا وزخما في الحياة الثقافية الاردنية الى حد صار النشر فيها علامة على تميز الادباء مثل
رؤساء الصفحه الثقافيه احمد المصلح . ابراهيم العجلوني.سميحه خريس.حسين نشوان.رسمي الجراح.محمد العوايشه.ابراهيم السواعير جعفر العقيلي.
وعلى الرغم من الاتجاه المحافظ نسبيا في السياسة التحريرية لصحيفة الرأي وانشغالها بالهم الثقافي الوطني اولا ثم العربي والدولي ، فانها كانت تتبني الاتجاهات الفكرية والثقافية الحديثة وحققت من خلالها نجاحات انقرائية كبيرة.
تجلى ذلك عندما وقعت " الرأي " اول اتفاقية صحفية مع اليونسكو ضمن 14 دولة عربية لاصدار مشروع " كتاب في جريدة " والذي بموجبه يتم اختيار احد اهم النصوص العربية قديما او حديثا واصداره في كتاب ، ولاقت هذه التجرية الثقافية نجاحا كبيرا بالادرن والدول العربية.
في تقديري ان الصحافة الثقافية بالجرائد الاردنية نجحت في تكريس الموروث الحضاري والثقافي الوطني وتعزيزه والفخر به ، و توسيع الافاق المعرفية لجمهور القراء وتنشيط أخيلتهم وتنمية ذائقتهم وتشكيل رؤاهم نحو الواقع والمستقبل ، لكنها اليوم تواجه تحديات كبيرة مثل غيرها من الصحف العربية يتطلب منها ابتكار اشكال جديدة.
للتغطيات الصحفية ، والتوسع في اثارة الجدل والنقاش حول القضايا الفكرية والثقافية التي تهم الشارع الاردني ، وفتح الابواب أكثر مما سبق لقبول المعارضات الفكرية والشعرية والادبية ما من شأنه ان يخلق حالة من الوهج الفكري بالمشهد الثقافي الاردني .