تشرّفت، قبل قليل، بتمثيل والدي الراحل الحبيب، أمام جلالة طويل العمر سيّد البلاد، لأتسلّم من يديه الكريمتين أرفع وسام ملكي، يحمل إسمه الغالي (عبد الله الثاني)، فلا أعرف عمّن أكتب الآن: الملك الذي يُقدّر الصحافة وروادها، أم عن أبي الذي رحل واصبعه مغمّس بالحبر، بعد حياة أخذت الصحافة أكثر من ثلاثة أرباعها؟
لديّ عشرات الصور، وأنا أتشرف بالسلام على جلالته، ولكنّ صورة اليوم تعني لي أكثر، فها هو الذي سمّاه والدي في مقالة ظهرت صباح ميلاده: “الشبل الهاشمي الجديد”، يُسلّمني وساماً يحمل إسمه الكريم، وعلى الصندوق الخشبي المعتّق إسم أبي الجميل.
صباح يوم رحيل والدي، وقُبيل التشييع بقليل، كان الراحل الحسين يقطع اجتماعاً مرتباً مسبقاً مع كبار الصحافيين، قائلاً: أبلغت للتوّ بوفاة الاخ ابراهيم سكجها، وأعرف أنّكم ستشاركون في جنازته ولهذا لن أطيل عليكم، ولو سمح وقتي لشاركتكم، ولكنّ مندوبي سيكون هناك، وودّع الزملاء بعد أن أعاد ترتيب الموعد.
كتبتُ، بعدها، أنّ هذا الدَين سيظلّ في عنقي إلى يوم الدِين، ثُمّ أنّه لم يكتف بذلك، فقد استغرب أنّه ليس للراحل راتب تقاعدي، فأمر بصرف راتب من حسابه الشخصي لحساب أمّي، وحافظ ابنه الغالي عبد الله الثاني على كرم أبيه، وظلّت ليلى تتقاضاه حتى يوم رحيلها، قبل قليل من الأشهر.
الناس الراحلون، في بلاد غير بلادنا، يذهبون إلى النسيان، ولكنّ إثنين وثلاثين عاماً من غياب أبي لم تُغبه عن الذاكرة الملكية، فها أنا أقف أمام سيّدنا، أتشرف بتسلّم وسام أثير يُقدّر مسيرة نصف قرن من الابداع والتميّز والاستقلالية والأستاذية في مهنته، ولا يغيب عنّي تقديم الشكر والعرفان.
في يقيني أنّ الملك يبعث هنا برسالة، فهو يؤكّد في عيد الاستقلال على دعمه واحترامه وتقديره للإعلام الحرّ، تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، ويقول لكلّ الزميلات والزملاء: أنا معكم، وفي يقيني أنّ الزميلات والزملاء يقولون في رسالة ردّهم على الدعم الملكي: ونحن معك…
رحمك الله يا والدي، واطال في عمرك يا سيّدنا عبد الله الثاني ومتّعك بكلّ العزّ والسلامة، وأدام فرحك بالغالي الحسين، وللحديث بقية…