زواج ولي العهد وروح الأمل
د. مروان المعشر
25-05-2023 02:08 PM
تمر بعد أيام مناسبة غالية على كل الأردنيين هي زواج ولي العهد الأمير الحسين على الآنسة رجوة خالد آل سيف من كرام العائلات السعودية. وفي مثل هذه المناسبات الاجتماعية يلتم الأردنيون والأردنيات من كافة المشارب السياسية والفكرية والاجتماعية حول بعضهم البعض، متمنين لولي عهدهم وعروسه أجمل الأيام وأسعدها.
ولكن مناسبة زواج ولي العهد ليست حدثا اجتماعيا فحسب، أو على الأقل لا يجب أن يكون، بل هي مناسبة لالتفاف الأردنيين مع مؤسسة ولاية العهد حول مستقبل يشارك الجميع في وضعه، وبالأخص الجيل الشبابي الجديد الذي ينتمي اليه الأمير.
يجهد الأردن اليوم لوضع نفسه على سكة تقوده الى دولة حداثية ركيزتها عملية تحديث سياسية واقتصادية وإدارية بدأها الملك عبد الله الثاني، عملية تسعى أن تخرجه من عنق زجاجة ضيق وتنقله الى مئوية جديدة عنوانها الديمقراطية والتعددية والحداثة، يمثل ولي العهد فيها طاقة إيجابية وأمل الجيل الجديد بالانتقال من الاستقرار للازدهار، ومن الريعية للإنتاجية، ومن الإقصاء للتشاركية.
لا حاجة للقول اليوم إن هذه العملية تعتريها العديد من العقبات، يتعلق بعضها بحداثة التجربة وحاجتها للنضوج الذي لا يأتي إلا مع الوقت، ويتعلق بعضها الآخر بإصرار البعض من قوى الوضع القائم التشبث بماض انتهى، وبأدوات استنفدت، وبنظم لم تعد قادرة على المحافظة على السلم الأهلي لا عن طريق الأمن الخشن أو الناعم، ولا عن طريق الموارد المالية الخارجية المتناقصة. ولعل هذا هو التطور الطبيعي للأمور، فما من عملية إصلاحية تحدث بين ليلة وضحاها، أو دون تضحيات عديدة، أو دون تكرار التجربة والخطأ حتى الوصول الى وضع مستقر تعددي ديمقراطي منفتح.
بالرغم من كل الإخفاقات الماضية، وكل العصي التي يتم وضعها في الدواليب، هناك ظاهرة إيجابية بدأ يشهدها المجتمع الأردني ضمن عملية ولادة الأحزاب الجديدة التي يتم إنشاؤها الآن، ألا وهي انخراط عدد لا يستهان به من الشباب في الأحزاب الناشئة. يعاني الشباب الأردني من تحديات عديدة يشترك فيها مع أقرانه في دول عربية عدة. فنسبة البطالة لديه هي في حدود الخمسين في المئة، وهو رقم مخيف لا يجوز أن يبقى في هذه الحدود دون تهديد حقيقي للاستقرار المجتمعي. يعاني الشباب الأردني أيضا من نظام تربوي لا يؤهله لسوق العمل ولا لمواجهة تحديات الحياة المتغيرة. ويعاني من تقييد متزايد على حريته في إبداء رأيه بصراحة ودون وجل. لا غرابة إذن أن تشير استطلاعات الباروميتر العربي المتكررة عن رغبة حوالي 45 في المئة منه في الهجرة، ونحن نشهد اليوم هجرة فعلية للأدمغة الأردنية باتت مقلقة للغاية لمستقبل البلاد.
بالرغم من ذلك، أرى من خلال متابعتي الدائمة للقطاعات الشبابية أننا بدأنا نشهد حركة شبابية نشطة لا تريد الاستسلام لواقعها، وترغب في تثقيف نفسها وفي العمل الدؤوب من خلال الأحزاب التي بدأت الانتساب لها، وذلك للتهيئة لمستقبل لا يقف عند واقع آبائه وأمهاته، بل يتعداه لتطوير مجتمع حداثي مزدهر، يحترم تعددية كل مكوناته ويحتفي بها، فلا نبقى بين واقع أليم، ومستقبل نخاف ولوجه.
هذا هو واقع الجيل الأردني الجديد اليوم. هو جيل يتطلع الى ولي العهد باعتباره الأقرب له خاصة وأن سبعين في المئة من الأردنيين تحت سن الثلاثين، كما هو التواق للتعبير عن آماله، لحمل راية مسيرة التحديث التي رفعها الملك. لا يقنع هذا الجيل اليوم الخطاب التقليدي للدولة الأردنية، ولا التبريرات العديدة التي يسوقها من لا يريد الجدية والاستدامة للعملية الإصلاحية، ولا يأبه بالتشكيك الذي يمارسه البعض ضد كل من ينادي بإصلاحات جدية تتعدى المظاهر. هو جيل يريد أن تتبنى كل مفاصل الدولة جدية الإصلاحات المطروحة، كما التغلب على كل الصعاب التي تقف في وجه انتقال الأردن في مئويته الثانية للحداثة والازدهار. هو جيل يتوق لمجتمع يعطيه فرصة العمل الحقيقية كما يعطيه حرية التعبير عن رأيه، ويخلق له بيئة تمكنه من الإبداع والابتكار.
بمناسب زواج ولي العهد، يتوسم الجيل الشبابي الجديد مستقبلا واعدا للبلاد، وقناعة تامة بأن مستقبل الأردن المستقر والمزدهر، بأذن الله، يعتمد اعتمادا وثيقا على تهيئة المناخ السياسي والاقتصادي والتربوي المطلوب من أجل إطلاق الطاقات الكامنة لجيل بأكمله.
القدس العربي