مذابح الفلسطينيين ، على الرغم من انها معروفة ، وموثقة في حالات كثيرة ، الا ان يتوجب عدم محوها من الذاكرة ، سياسياً واعلامياً ووطنياً.
في تاريخ الاحتلالات ، حدثت مذابح كثيرة ، غير ان الفرق ان الشعب الفلسطيني تشرد في الدنيا ، ولم يلق اي شعب في الدنيا الذي لقيه الشعب الفلسطيني ، من سجون وجرح وقتل وتشريد ومطاردة ، ولعنات في كل مكان.
قياساً بشعوب اخرى ، يتفرد الشعب الفلسطيني بكون مأساته مأساة العصر ، وهذه المذابح التي بدأت منذ ثمانين عاماً واكثر ، ليس لها سابق ، في تاريخ البشر ، ولا تصح مقارنتها ولا مقاربتها بأي قصة اخرى.
ذبح الشعب الفلسطيني ليس بقصف الطائرات وبهتك حرمة البيوت ، وسرقة الامن والاستقرار ، وسرقة الارض ، فقط ، اذ ان ذبحهم يجري معنوياً ، وجرى معنوياً ، قبل اي شيء اخر ، عبر الاف الحوادث والقصص ، من سكاكين القتلة ، الى شكوك المطارات.
لا يعاني الشعب الفلسطيني برغم ذلك من عقدة ، بل على العكس ، اذ انتج الذبح شعباً قادر على البقاء ، وقادر على اعادة انتاج نفسه بوسائل كثيرة ، غير ان ما هو مهم ، ليس توتير الذاكرة الجمعية ، وانما انعاشها كل يوم بتلك المذابح التي ارتكبتها اسرائيل.
مذابح اسرائيل ليست وحيدة ، فقد شاركها كثيرون بوسائل مختلفة ، لذبح هذا الشعب ، وحز عنقه بالسكين ، وتذكيره كل يوم ، ان السكين فوق عنقه ، ومحنة الفلسطيني ليست في العدو وحسب ، وانما ايضا في الاقارب وابناء العمومة والاشقاء.
الطفل الفلسطيني الذي يعيش على صوت الموت والقتل والذبح ، ويسمع صوت الطائرات وهي تقصف ، وذاك الطفل الذي يراقب اقاربه ، من بعد ، وهم يقتلون كل يوم بدم بارد ، لا ينامان ابداً كطفلين.
الشعب الفلسطيني ، تعرض الى اكبر كارثة بشرية ، فهو الشعب الوحيد الذي تم تحميله جنسية المحتل ، وهو الشعب الوحيد الذي تم تقسيمه الى فئات وكانتونات واتجاهات ، وهو الشعب الوحيد الذي يتم تذويبه كل يوم ، من اجل اعدام الشاهد الوحيد على الكارثة.
حق الفلسطينيين لا يقارن بحق امم اخرى ، وفئات اخرى ، ليس لان العرب دون عاطفة ، ولكن لاننا جزء من امة تتطلع الى ضحاياها اولا قبل من يزعمون انهم ضحايا ، او يتاجرون بحادثة هنا او هناك لاستلاب وعي العالم ، وجره الى فواتير لاتتوقف.
الجرأة هي في تذكر آلام الفلسطينيين ، والجهر بها ، كصلاة الجهر ، من زمن دير ياسين ، الى مذابح غزة ، ومابينهما من ذبح للوعي والشخصية والوجود والقضية بكل صورها ، وعلى هذا فان مذابح الفلسطينيين ، ليست ورقة عابرة ، ولا صفحة في منهاج.
مذابح الفلسطينيين ، مقدمة لذبح امة بأكملها ، والمفارقة ان الذين يتركونهم تحت الذبح لا يعرفون ، ان الدور مقبل عليهم ، بعد ان يتأكد القاتل من تنشيف دم الضحية ، وعندها سيسعى بكل قوته الى غيرها ممن سمن لحمه ، وطري خده ايضاً ، وقصرت قامته.
مصيبة الفلسطينيين انهم يتلقون كل هذا الذبح نيابة عن الجميع ، غير ان الجميع يعتقدون ان هذا قدر الفلسطينيين وحدهم ، وفوق ذلك يذرفون الدموع على القاتل ، بدلا من القتيل،،،.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)