عودة سوريا للجامعة العربيـة .. الجوانب الاقتصادية
د. محمد أبو حمور
25-05-2023 12:26 AM
تمثل عودة سوريا الى الجامعة العربية أحدى مظاهر التحولات والتطورات الجوهرية التي تشهدها منطقتنا، وهي استمرار لجهود التهدئة الهادفة الى التركيز على القضايا التنموية المحلية ونستطيع القول إن الدول الإقليمية الفاعلة وصلت الى قناعة بان حلحلة المصاعب المتعددة التي تمر بها المنطقة لا بد أن تتم عبر الحوار والتعاون الذي تنعكس اثاره الإيجابية على مختلف الأطراف، وقد قامت الدبلوماسية الأردنية بدور بارز في تسهيل عودة الاشقاء السوريين الى محيطهم العربي، كما أن الدور الفاعل الذي تقوم به المملكة العربية السعودية يشكل نقطة محورية في هذه التطورات، فمن الواضح أن المملكة تقوم بخطوات استراتيجية مؤثرة لتخفيف التوتر والمساعدة على تحقيق انفراج في الأزمة السورية، وهذا يتزامن مع جهود السعودية الهادفة للمضي قدماً في نهضتها الاقتصادية مع التركيز على تنفيذ مشاريع تنموية طموحة بهدف تقليص الاعتماد على النفط، عبر النهوض المتزامن بمختلف القطاعات الاقتصادية.
خلال الفترة الماضية كان الأردن الأشد تأثراً بالأزمة السورية، بما في ذلك الاثار المترتبة على اللجوء السوري وعلى اغلاق مسارات الصادرات الأردنية عبر سوريا وزيادة كلفة المستوردات الناجمة عن اغلاق الموانئ السورية، ناهيك عن الضرر الذي أصاب تجارة الترانزيت والعلاقات التجارية الثنائية، يضاف لذلك الاثار الأخرى المتمثلة في الجوانب الأمنية وانعكاس تجارة المخدرات على الأردن، لذلك فتوقع الاثار الإيجابية على الاقتصاد الأردني تبدو معقولة خاصة وان هناك ترابطا تاريخيا وتبادلات اقتصادية مهمة بين الأردن وسوريا، ومن حيث المبدء فان العودة الطوعية للاجئين السوريين ستساهم في تخفيف الضغط على البنية التحتية والخدمات العامة، لينعكس ذلك على الأعباء التي تتحملها الخزينة العامة، كما أن مشاريع التعافي الاقتصادي التي يتوقع أن يرتفع زخمها في سوريا يمكن أن تشكل فرصة للشركات الأردنية مع مراعاة أن الأردن ونظراً للتقارب الجغرافي والاجتماعي لديه القدرة على تشكيل بوابة ونقطة انطلاق للمشاركة في مشاريع الاعمار، وهناك فرصة لاستعادة زخم التبادلات التجارية بين البلدين والتي تنعكس ايجاباً على الجانبين مع توفير مجال لتدشين مشاريع مشتركة في مختلف المجالات خاصة وان الأردن بادر الى فتح الحدود مع سوريا قبل فترة وعمل على تشجيع التعاون المشترك، ولا شك بان استئناف العلاقات الاقتصادية العربية مع سوريا يعني تنشيط التبادل التجاري بين مختلف دول المنطقة، وتسهيل خطط إعادة البناء، وهذا يعود بالنفع ليس على سوريا فقط، بل وايضاً على مختلف الجهات بما فيها القطاع الخاص، ويؤمل أن تؤدي عودة سوريا الى الجامعة العربية الى تسهيل تنفيذ بعض المشاريع الإقليمية مثل مشروع خط الغاز العربي وايصال الكهرباء الأردنية والغاز المصري الى لبنان ومشروع الشام الجديد وكذلك انشاء مناطق تنموية ومدن صناعية مشتركة بين سوريا والدول المجاورة، كما أن هذه العودة ستشكل دفعة لتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية العربية المختلفة، وربما التوصل لاتفاقيات جديدة.
يواجه العمل لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا مصاعب عدة أبرزها تلك المتعلقة بالعقوبات الغربية على سوريا بما فيها قانون قيصر، وما يعانيه الاقتصاد السوري من اثار الحرب التي أدت الى تراجع كبير في سعر صرف العملة الوطنية ودمار أجزاء واسعة من البنى التحتية وتضرر المقدرات الإنتاجية، ناهيك عن الاضرار والكوارث الإنسانية التي نجمت عن الزلزال الذي حصل في شهر شباط الماضي، يضاف لذلك الاعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين في دول الجوار ومتطلبات توفير الظروف الملائمة لعودتهم الطوعية الى ديارهم، الا أن الجهود المتوقع بذله وقد تساهم في تخفيف حدة هذه المصاعب، فقد أعلنت السعودية أنها ستدعم مشروعات التعافي الاقتصادي في سوريا، كما أن المشاريع التي كانت تمولها الصناديق العربية والتي تبلغ قيمتها أكثر من 5.5 مليار دولار يمكن العودة لمباشرة العمل فيها ضمن الاطار الإنساني الهادف الى توفير الظروف الملائمة لعودة اللاجئين والمهجرين، ويمكن أن تساهم الجهود العربية في رفع أو تقليص العقوبات المفروضة على سوريا، وفي نفس الوقت الذي نتحدث فيه عن المساعدات والجهود الخارجية لا بد من التذكير بضرورة توفر جهود داخلية لتحسين وتوفير الظروف الملائمة للنهوض مجدداً بالاقتصاد السوري.
عودة سوريا الى الجامعة العربية واندماجها مجدداً مع محيطها العربي ستكون له بالتأكيد اثار اقتصادية إيجابية على مختلف دول الإقليم، الا انه ونظراً لتشابكات وتعقيدات الأزمة السورية وتعدد الأطراف الفاعلة فيها فهذه الاثار قد لا تكون آنية وانما تستلزم بعض الوقت الذي لا بد منه للتعامل مع بعض المعطيات السياسية.
(الراي)