التل يكتب: حوادث السير .. الأخلاق أولا وأخيرا
محمد حسن التل
24-05-2023 05:02 PM
عمون - بموافقة مجلس الوزراء اليوم على تعديل قانون السير وتشديد العقوبات على المخالفين لغاية تحقيق السلامة المرورية، يكون ولأول مرة ومنذ سنوات طويلة يأخذ موضوع مواجهة كارثة الحوادث المرورية بشكل حازم..ففي الماضي وفي كل مرة ترتفع وتيرة حوادث السير لدينا وهي بالمناسبة تاريخيا من أعلى النسب في العالم، تفزع جميع المؤسسات المعنية بالموضوع كالأمن العام وأمانة عمان والبلديات والاعلام ومؤسسات كثيرة أخرى لمحاولة مناقشة هذا الموضوع الخطير ووضع الحلول المناسبة لمواجهته دون التطرق الى التشريعات كهذه المرة .
كنا لابد من تشديد العقوبات على مرتكبي المخالفات، لاننا كنا في ما مضى لا يريد معظمنا الاعتراف بأن السبب الرئيسي وراء هذه الكارثة هو الإنسان حيث أثبتت الدراسات أن أكثر من 90% من أسباب الحوادث تكون نتيجة أخطاء بشرية.
ومن جانب اخر لا يجوز أو يصح أن تتحمل دوائر السير في الأمن العام المسؤولية وحدها في هذا الجانب، فلها شركاء كثيرون كأمانة عمان والبلديات المنتشرة في المملكة والإعلام وكل مؤسسة لها علاقة بتنظيم الطرق، حتى المؤسسات التربوية عليها دور كبير في التثقيف والتوعية في هذا المجال، ولا بد من التأكيد أن الجانب الأساس في محاربة هذه الكارثة هو الجانب الأخلاقي الذي نكاد نفقده بالكامل، فلم يعد سائق المركبة يولي هذا الجانب أي اهتمام، ويمارس في معظم الأحيان أعمالا منافية للأخلاق وخطرة دون أن يولي حياة الناس على الطريق سواء راكبة أو راجلة وحتى حياته نفسه أي قيمة، وعندما تنتفي الأخلاق، تختفي أمور كثيرة ومهمة من الحياة، وتصبح في كثير من جوانبها تشهد فوضى كبيرة، في المقابل لا بد من التنويه أننا نشهد منذ فترات طويلة تراخي في تنفيذ قوانين السير، خذ مثلا موضوع استعمال حزام الأمان، فقد تم غض الطرف عنه سنوات طويلة، مع أنه يحمي الراكب والسائق في مواجهة الحوادث بنسب كبيرة، فهل كان من الضروري أن تزداد حوادث المرور بهذا الشكل المرعب حتى نتنبه إلى أهمية هذا الإجراء، مع الإشارة إلى أن أكثر من 95% من دول العالم لا تجد فيها سائقا أو راكبا لا يستعمل الحزام.
المشكلة ليست حزام الأمان فقط، المشكلة الأكبر هي هل يتعامل السائق أثناء قيادة المركبة مع قواعد المرور كما هو المطلوب، ليحفظ الطريق له ولغيره، وكل مخالفة يقوم بها أحدهم وهو قاصد، "والإهمال قصد" تدخل في باب عدم الأخلاق، فالسرعة الزائدة على الطريق والتجاوز الخاطئ وتغيير المسرب فجأة وعدم استخدام وسائل الأمان أثناء القيادة وإهمال صيانة المركبة وغير هذه التجاوزات كلها تكمن تحت باب انعدام الأخلاق.
لدينا قوانين وتشريعات في هذا المجال متطورة وجيدة، لكن المشكلة تكمن في التراخي في التطبيق، وتخضع عملية التطبيق هذه لفزعات موسمية، فكم حالة استنفار شهدناها خلال السنوات الماضيةلمواجهة غول الحوادث المرورية سرعان ما اختفت وعدنا إلى نقطة البداية.
رجل المرور في الميدان سواء كان داخل المدن أو على الطرق الخارجية لديه قدرة محددة كباقي البشر، لا يستطيع السيطرة على كل أنواع المخالفات في نفس الوقت المطلوب منه فيه تنظيم السير وفك الازدحامات، الأمر الذي يتوجب توسيع دائرة الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في مراقبة السير وضبط المخالفات بعيدا عن التدخل البشري للمساعدة في مواجهة واقع مروري يزداد صعوبة وتعقيدا كل يوم، لعوامل عديدة ومتداخلة.
الكتابة في موضوع السير وحوادث المرور لدينا من الممكن أن تطول وتتشعب، ولكننا جميعا نعلم الخلل، ونؤشر عليه، لكن الأهم أن تستمر الجهات المعنية في الجدية في تطبيق القوانين وعدم التراخي وتأكيد ما نشهده اليوم من تحرك أن يكون مستمرا ودائما.
ويجب الأخذ بعين الاعتبار عدم التركيز على المركبة ومن فيها فقط، فكذلك المشاة يتسببون كثيرا في وقوع حوادث نتيجة مخالفات خطيرة يرتكبونها مثل قطع الطريق بصورة خطرة والعزوف عن استعمال جسور المشاة وغير هذه المخالفات التي تتطلب وضع نصوص قانونية لها كدول كثيرة تدين من يرتكب من المشاة مثل هذه المخالفات.
وتظل الاخلاق والشعور بالمسؤولية هما الضامن الاساس للحد من الكارثة على الطرقات