منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي لمع اسم الإعلامي محمود سعد في الأوساط الفنية والثقافية في القاهرة، وكانت نقطة التحول في مسيرته غير متوقعة ألبته، عندما سجل مقابلات مع شخصيات فنية رفيعة في القاهرة لتأبين الفنانة سعاد حسني لصالح شبكة MBC، بعدها أنتج عشرات البرامج المصرية والعربية.
ومع تقلُّب المزاج المصري والعربي، أطلّ محمود على محبيه بالجديد وإن بأدوار أقل مساحة من ذي قبل، ونقل بندقيته الى الكتف الآخر فأخذ يقدم تجارب غير نمطية جذبت جمهورا مختلفا هذه المرة، عندما خاطب الناس بما يعرفون لا بما يعرف هو، وتحدث من خلال فيسبوك بلا تكلف عن شجون مهنته وكواليس لقاءاته مع عادل امام واحمد زكي وغيرهما ومشاركاته السينمائية المحدودة.
تنبّه الإعلامي المصري العتيق لبُعد ءاخر مليء بالحكايات وهو المواقع التاريخية في القاهرة وما أكثرها، وبالتوازي انتقل إلى دول عربية أخرى، وما يهمني في هذا المقام أكثر من غيره هو زياراته المتكررة إلى الاردن، وقد عرض قبل سنوات قليلة في حساباته تقريرا عن زيارته لمشاغل حلويات زلاطيمو في عمان، وترك في نفسي شعورا لن يدركه إلا من يشاهد ذلك التقرير البسيط في حرفيته الرفيع في دلالته.
في زيارته الاخيرة قرر الرجل أن يجوب المملكة طولًا وعرضا، زار أم قيس وأشرف على طبريا وفي حَوَر حاور جارتنا النشمية فريال الكوفحي وتذوق المكمورة والكعاكيل، وسرد حكايات عند سيل الزرقاء على الطريق من عمان الى اربد، وتمشى في شوارع السلط وأطل على تخوم القدس وتحدث الى رواد كنائس مادبا واقتحم غرفة عمليات محل حبيبة وسط البلد، ووقف عند ميناء الصيادين في العقبة وارتحل بملابسه غير الرسمية إلى صحراء الصفاوي ليتحدث إلينا عن الشجرة التي استظل بها سيد العالمين، ليسرد ما يحرق العيون دمعاً وهو يتحدث عن خديجة بنت خويلد ورحلة الشتاء والصيف، وإن كنت لا أتفق بالضرورة مع بعض ما ذكره من جوانب تاريخية ودينية.
الخلاصة يا سادة رسالتان، الاولى لكل إعلامي أردني لا سيما أولئك الذين تجمدت الأحبار في أقلامهم وأصابها العقم فما عادوا قادرين على الخروج من جلابيب آبائهم، والثانية لمشاهير السوشال ميديا الذين يجعلون من أهليهم وأنفسهم أضحوكة للجميع ولا يقدمون غالباً إلا الغث التافه، بينما تقدم الارض الاردنية لهم عشرات الآلاف من أفكار المحتوى الايجابي، وأستثني بالقطع مجموعة منهم تعرض أبهى الصور الثقافية والاجتماعية.
في الرسالتين أقول: تعلّموا من محمود، أو لِتصبكم الغيرة من مبادراته ولو لم يكشف لنا غير المكتشف، لكنه أجبرنا على النظر إلى ما نعرفه بعين أخرى جديدة، وأما وزارة السياحة وأجهزتها فليست بحاجة إلى رسائلي لأنني أفترض أنها ترى وتسمع، لكنني أتمنى عليها أن تترك ضيفنا الذي يتم عامه السبعين السنة المقبلة، يتابع عمله من دون تدخلات تفسد عليه وعلينا متعة الاستكشاف.
ربما أقول لها فقط: إجمعي ما يتبعثر من درر تساقطت من سلة محمود، وأعيدي حساباتك بشأن المؤثرين والمتأثرين في بلادنا، وتابعي أولئك الذين عرّفوه إلى تاريخنا وثقافتنا وفتحوا له قلوبهم فكانوا سفراء فوق العادة, وأختتم حديثي بسؤال: لماذا لا نستثمر إنتاجات محمود سعد ونفكر في استقطاب السائح المصري القريب منا مثلا؟ فهم يستقطبون السائح الأردني في طابا وشرم الشيخ وغيرهما.