قراءة في المحتوى التاريخي والوطني للاستقلال
م. بسام ابو النصر
23-05-2023 01:07 PM
في الخامس والعشرين من شهر عام ١٩٤٦ إنتهى الانتداب البريطاني واعترفت الامم المتحدة بالاردن ونُصب جلالة الملك عبدالله الأول ملكا على الاردن، والحدث ليس بهذا التسطيح الذي يمكن أن يكون كذلك لقارئ لا يعرف المنطقة، وما يخطط لها آنذاك، فالعالم في خضم الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة بين قوتين عظميين تخرجان من رحم الحروب الكونية تضع أوزارها، والصهيونية تنغرز في القلب العربي الذي يمسك على الوجع من ناحية، ومن ناحية أخرى يؤسس لتأسيس الجامعة العربية بعد بروتوكول الاسكندرية الذي كان نواة لميثاق الجامعة العربية، والذي كان محركًا لاستقلال الكثير من الدول العربية ومن بينها الاردن، فقد بدأت الدول التي تراجعت كدول عظمى كبريطانيا من التنبه لخطر العمل العربي المشترك، وصارت تحسب حساباتها الخاصة فيما يتعلق بالتنصل من التزاماتها للدولة الصهيونية علنا ولكن تدعمها في السر، وكان لزامًا أن تنهي طموحاتها في ضم الأردن لوعد بلفور المشؤوم، وتقف حائلا امام طموحات الملك عبدالله ابن الحسين مؤسس المملكة الاردنية الهاشمية؛ وزير خارجية المملكة العربية التي كادت أن تقوم في دول المشرق العربي، وكان يجب على بريطانيا أن تئد هذا الحلم بكف الأيدي عن شرق الاردن والعراق واليمن ومصر، ولكنها تركت الأمر في فلسطين مرهونا بما سيحققه المحتل الصهيوني على الأرض.
إذا فاستقلال الاردن كان لا يمكن أن يقوم لولا إصرار الأردنيين بإستبعاد الاردن من أي إتفاقيات او وعود من جانب بريطانيا وهي الدولة التي زرعت التناقضات في المنطقة والعالم، وخلقت إختلالات ديموغرافية وسكانية، شهدناها في التداخل الحدودي في حوران بين الاردن وسوريا، والاختلالات الحدودية بين الاردن والسعودية، التي تم تعديلها في عهد جلالة الملك المغفور له الحسين بن طلال، واختلالات مع العراق تم تعديلها، وبريطانيا عملت على النلاعب بالحدود بذات الطريقة مع كل الدول التي قامت باحتلالها بعد الخروج العثماني بقليل.
وعودة الى استقلال المملكة، فقد عمد الملك المؤسس الى التوجه مع الشخصيات الوطنية الى إنهاء المعاهدة الاردنية البريطانية التي انتقصت من السيادة الاردنية على الارض وفي المؤسسات، وربما اكتمل الاستقلال في عهد جلالة الملك عندما تخلص الاردن من الضباط الانجليز الذين كانوا في الجيش وعلى رأسهم كلوب باشا القائد العام الذي تم إنهاء خدماته عام ١٩٥٦ م، ولذلك لم يكن الاستقلال حدثًا شكليًا، لأن بريطانيا كانت راغبة في البقاء في الاردن من خلال بعض ضباط الجيش، والسيطرة على مفاصل الدولة والإتيان بحلف بغداد للدول التي كانت تسير في الفلك الانجليزي، والذي تم مقاومته داخل الاردن.
وقد تجاوب الملك مع النداء الشعبي بتأليف حكومات وطنية منتصف الخمسينات انتهت بتعريب الجيش، وهذه تداعيات خرجت من رحم الاستقلال، وربما أن المشاركة الفاعلة للجيش العربي في إطار عربي غير منظم وغير مكتمل هو أيضا كان من بواعث الاستقلال، وكان على الاشقاء العرب الوقوف بقوة مع الجيش العربي في الاردن أن يقدموا جهودًا أكبر للقضاء على حلم الدولة المحتلة، ويكتب للجيش العربي أنه أبقى على الضفة الغربية والقدس أمام عصابات صهيونية مدعومة من الولايات المتحدة وبريطانيا والمجتمع الغربي برمته.