مُذهلة قدرة البشر على الابتكار ,و عجيبة افكار البشر على تحقيق المستحيلات , فنحن حرفيا في عصر " اللامستحيل " فحتى الموت لا استبعِدُ أن يستطيع البشر على السيطرة عليه و اعادة احياء ولو جزء بسيط من اجساد الكائنات الحيّة و منها البشر و اعادة الوعي لها و خصوصا إن دُمِجَ الذكاء الرقمي الآلي مع ذكاء البشر و ابتكاراتهم .
فمثلا ...من لا يعرِفُ المطربة الراحلة ذكرى التونسية ؟ ذلك الصوت البديع الذي غُيِّبَ عن حياتنا في خريف عام 2003 , و ها هو صوتها اليوم يصدح بتأدية اغنيات لم تعاصرها في حياتها , في خطوة و آلية مرعبة , مرعبة في قدرتها على تطويع الحواس و الاصوات وقولبتها ,و فريدة في تكنولوجيا لم نعهدها و لا في الخيال يوما .
في وجهة نظري البسيطة , التسارع التكنولوجي يجب أن يسير بتوازٍ مع سياسات مُحكَمة , فأحيانا عندما تقعُ التكنولوجيا في ايادي سوداء قد تسبب الكوارث و تُلبك حتى امهر المحقّقين , فالخطوة المقبلة التي يجب أن يسعى العالم لتحقيقها هي ربط الواقع الافتراضي و شبكات الانترنت بمعرّفٍ عالميٍّ للبيانات , يُقصى من لا يرضخ له , بحيث حتى من يتصّل بالانترنت من بيت ريفيّ في مدغشقر سوف يكونُ تحت المساءلة كنوع من ربط البطاقة الشخصية بالحسابات الرقمية , قد يرى البعض في هذه الخطوة تقييدا للحريات , لكنّ و لأنّنا في زمن نشهد فيه تقدّما رهيبا في كل يوم يجب أن نطبّق هذا تحت ما يسمّى " البطاقة الشخصية العالمية " , و هذه خطوة ليست بالمستحيلة إن ما قورنت بلقاح وباء كورونا و الذي جاب العالم في فترة وجيزة.
التقدم الحاصل هذا يجب أن يجعلنا كعرب ندرس واقعنا , نحلّل العقبات التي تجعلنا على مسافة من أي تطوير , فما هي الاسباب و هل نستطيع تذليل المعوّقات ؟ فالعقول العربية عقول مبدعة بالفطرة , و لنا في المضمار العالمي اسماء لامعة فاق صداها منبتها , فلماذا يلمع الابداع العربي بعد الهجرة ؟ و لماذا قد تغتال الاوطان العقول ؟
مشاريع قوانين الجرائم الالكترونية هي تطبيق أوليّ لفكرة الربط التي اتحدّث عنها , فحديثا بتنا نرى قضايا تُرفع ضد اشخاص مارسوا الجريمة باشكالها المختلفة عبر الانترنت , فلماذا لا تُختصر الطريق و يصبح من يتصل بالانترنت على دراية بأنّ اصغر تعليق أو ممارسة هي قابلة للملاحقة بسهولة و يُسر ؟ هذا ما يجب على الدول السعي لتحقيقه , فبهذه الخطوة سوف نقضي على موجات من التنمر و العنصرية و جلد الشخصيات و حتى الاحتيال و القرصنة .
و بالعودة لقنبلة الذكاء الاصطناعي , لا يجب علينا التهوّر و الانغماس فيه دون دراسة معمّقة له , كيف لا وأن التحذير جاء من الاب الروحي للذكاء الاصطناعي " جيفري هنتون " المشرف على تطوير الذكاء الاصطناعي في شركة جوجل منذ عشر سنوات , هنتون بالتأكيد يرى الذكاء من منظور مختلف , كالذي ربّى وحشا و فشل في ترويضه , هذا ما دفع شركة ضخمة مثل سامسونغ لمنع الموظفين للتعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي خوفا من تسريب للمعلومات , هذا ما يعيدنا لنقطة " احكام السيطرة " على تفاصيل هذا العالم الجديد المفيد و الخطر في وقتٍ واحد , مخاوف هنتون و التي دفعته للاستقالة تتلخّص في قلقه من تفوّق هذا الذكاء المصطنع على ذكاء مخترعيه أيّ البشر , و هذا إن تحقق في رأيه فهنا ستكون البشرية برمّتها في خطر مُحدِقْ , خطر من كسر الآلة لقيود سيطرة البشر عليها و وعي غير مرغوب به سيدمّر كل شيء .
من الواضح أن المستقبل القادم عنوانهُ عِلم الذكاء الاصطناعي , عِلم نتمنّى أن يخدم البشر في مجالات صحية و اقتصادية و اجتماعية و لوجستية مختلفة , لا أن يقحم هذا الذكاء في المجالات العسكرية و الحروب , و بين الذكاء الجديد و ذكاء البشر , نتمنّى أن لا يندم البشر على هذه الخطوة .