(اعترافات قرصان اقتصادي) هو عنوان كتاب لأحد عملاء المخابرات الأمريكية، ويدعى جون بيركنز. وقد شاعت سمعة هذا الكتاب، وتمت ترجمته إلى العديد من اللغات. وأرى أنه كتاب ممتع ومشوق، يتحدث فيه المؤلف الذي استيقظ ضميره الحي بعد تقاعده من الخدمة، وقرر هذا القرصان أن يتحدث عن مهمته في مجموعة مجندين تفرغت لتنفيذ الاغتيال الاقتصادي لعدد من الدول، عن طريق اقتراح أو المساهمة في مشاريع بنية تحتية تقوم بها الشركات الأمريكية ، وكل وسائلها وما تتسلح به للقيام بهذه المهمة هي الدخول إلى هذه الدول عن طريق المساعدات وتقديم الدراسات والمخططات لتنفيذ هذه المشاريع، وتسهيل الحصول على قروض من البنك الدولي، وتتولى تنفيذ هذه المشاريع والتعاقد مع شركات كبرى مشبوهة بالتواطؤ مع وكالة الأمن القومي الأمريكية، ومع البنك الدولي الذي يرحب بإمداد هذه الدول بالقروض لتنفيذ هذه المشاريع، بغض النظر عن الفوائد المتراكمة على الدولة المقترضة، وإذا تنبه أحد قادة الدول إلى هذه المخاطر فعلى قراصنة الاغتيال مهمة إقناعه والتأثير عليه، فإن فشلت هذه المحاولات جرى تسليط فريق آخر يسمى بثعالب ال CIA)) للتخلص منه، ومثال ذلك ما تعرض له رئيس بنما، وإذا كانت بعض الدول محصنة من تأثير القراصنة والثعالب فلا بد من تدخل الجيوش وهذا ما حصل في دولة العراق.
يزخر الكتاب بأسماء العديد من الدول والقادة، ويتحدث المؤلف " شاهد العيان" عن نشاطات وكاله المخابرات الأمريكية في إيران والسعودية وفنزويلا وغواتيمالا وبنما والعراق، ويضرب مثلاً على الجهود الحثيثه والخبيثة للإطاحه بالزعماء والقادة الذين تم انتخابهم ديمقراطياً و حاولوا أن يقفوا في وجه الهيمنه الأمريكية أو أبدوا توجهات وطنية لصالح شعوبهم واستقلالية اقتصادهم، ويضرب مثالًا على ذلك: كيف جرى التخلص من عمر توريخوس رئيس بنما الذي قضى نحبه بحادث سقوط طائرة مشبوه، كما يفرد المؤلف بشكل مسهب عن حكومة مصدق في إيران الذي أعلن عن عزمه تأميم الثروة النفطية لإيران والتخلص من ارتباطها من شركه (بيرتش بتروليوم ) وزياده أسعار النفط الإيراني وتوظيفه في مشروع التنمية الوطني الإيراني، مما دعى الوكالة لوضع مصدق في دائرة الاستهداف، ورسم خطة للاطاحة به، وبدأت وكالة المخابرات الأمريكية ومن ورائها عناصر المخابرات البريطانية بالعمل على الإطاحة بحكومة مصدق المنتخبة ديمقراطياً، عن طريق شراء الذمم والولاءات وتوظيف عملاء لأثارة الفتن وتمويل مظاهرات الاحتجاج التي تبدأ سلمية وتنتهي بالتسليح وقد تم لهم ذلك.
وعلى نفس المنوال تم التخلص من اربينز الرئيس المنتخب في غواتيمالا حيث استبدلته الوكالة بالديكتاتور الجنرال كارلوس ارماس، وكذلك ما حصل مع رئيس فنزويلا تشافيز- إلا أن شعب فنزويلا أفشل محاولتهم وأعادوه إلى الحكم- وهكذا الأمر كان مع صدام حسين في العراق بعد أن تبين للعالم كذبة اسلحة الدمار الشامل، في أعقاب المسرحيه الهزليه لوزير الدفاع الأمريكي كولن باول على مسرح الأمم المتحدة.
يسهب بيركنز في كتابه عن التوجه الدائم للإدارة الأمريكية للهيمنة السياسية على الدول وبالذات حيث تتواجد الثروات الطبيعية وعلى رأسها النفط والغاز، ويعتقد الناس أن هذا هو الهدف الأمريكي الرئيس وهو ما يشير إليه مؤلف الكتاب، لكننا في المنطقة على ضوء معايشتنا لواقع القضية الفلسطنية فإننا نضيف أنه بالإضافة إلى مطلب الهيمنه السياسية في منطقتنا، فإن الهدف الأول هو ألا تكون أي دولة مجاورة لإسرائيل قوية ومعافاة، ويجب على هذه الشعوب أن تعاني من ضنك العيش بحده الأدنى، وأن تبقى تلهث وتهرول في مرمى المعسكر الأمريكي الذي يراقب ويدير المشهد بالصافرة ورفع البطاقات الصفراء والحمراء وبانحياز سافر.