نقول للسودان .. عظّم الله أجرك
د. سمير حمدان
28-12-2010 02:58 AM
بحور من الدماء وأهرامات من الجماجم وآلاف الأشلاء المتناثرة في كل شبر من أرض السودان . نفوس زكية ندية لها رائحة العبهر والبيلسان. اختلط دم الشمال بالجنوب والشرق بالغرب كما يتوحد الهدروجين مع الأكسجين. ترقد أرواح المسحوقين السّمر تحت تربة الغابة المطرية . تناجي الواحد الأحد الذي نفخ فيها روحاً وصيرها طيناً بعد الماء. أربعون عاماً من القتل والسحل علي أيدي قتلة لا دم في عروقهم . تارة باسم الدين وتارة باسم العلمانية وكلها ارتكبت بسوء نية . نار وقودها الفقراء من لا حول لهم .
لله درك ياسودان ....يا أبا أفريقيا . في جنباتك رائحة بلال الحبشي وسماحة النجاشي . أكاد أزعم أن أرضك طهر طهور وأنها مهبط خيل الخيرين . وإلا كيف لنا أن نفسر هذا التلون العرقي واللغوي الجميل ؟ . وفيك تصدق الأية الكريمة التي أرادتنا شعوباً وقبائل لنأتلف لا لنختلف . ظلموك بعض أهلك عندما حاولوا جمعك في ما لا يجمع . ويفرقونك الأن ولا عين تدمع .
بالأمس سأل مذيع أبله شيخاً سودانياً طاعناً في السن إن كان مع الوحدة أم الأنفصال فقال : " والله احنا تعبانين".
ثلاث كلمات من ذهب تختصر كل هلوسات السياسين . العلمانيون منهم والماركسيون . الإسلاميون منهم والمتأسلمون . كلهم شركاء في القتل . تركوا الضحية أربعين عاماً في العراء . وهاهم يتسابقون الأن لدفنها . يبكون الوحدة وهم أساس الداء . ويريدوننا أن نصدق دموعهم .
عجيب غريب هذا العالم العربي . أسس على التسامح والتصالح منذ أكثر من ألف وأربعماية عام ، منذ علم الله الإنسان أول كلمة في الحرية .....إقرأ . وهداه بدل النجد اثنين . توحد بعد أن تشظى ما حوله. وهاهو يتشظى بعد أن توحد ما حوله . الانفصال سمته المعاصرة منذ أن وضع سايكس وبيكو خطوط التماس من كردستان لغزة ستان . نسمي العالم الأخر دار كفر وهو دار سلام . ونسمي أنفسنا دار سلام وجًل ما فينا حرام .
لله درك يا سودان . يا قرة عين أفريقيا ويا أخاها الأكبر ويا جوهرتها السوداء. ما عاد صمغك العربي مادة لاصقة ولا دواء استشفاء . وطّن البلهاء فيك الداء . يرقصون حول جثتك بعصي ترك حملها الإنسان الأول . لا تحزن لأن من يهيئون لك الجنازة أموات عند الله أحياء عند الشيطان . عرفوك مريضاً ولم يمسحوا جبهتك بيد حانية ولم يكلفوا خاطرهم زيارة المريض لأنها في عرفهم ليست صدقة . وها قد جاوءك وأنت في حالة احتضار .
مساكين من يفرحون بقسمة الجغرافيا . مساكين من يفرحون بقسمة الأوطان . ونسوا أنهم زائلون وأن النيل سيلفظ جثثهم النجسة . ونقول لهم لا عظّم الله أجركم ......وعظّم أجر السودان.