facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




الأنظمة والشباب .. تغيرات ما بعد الحراك العربي


محمد كامل العمري
22-05-2023 11:06 AM

كثيرة هي النتاجات الثقافية التي تستلزم نقاشاً موسعاً، لا سيما مع كثرة الإصدارات التحليلية المتلاحقة المرتبطة بالحراكات الثورية في منطقتنا العربية، وهذا النقاش يتطلب حيزاً عاماً يبحث في تفصيلات المشهد السياسي، خاصة قبل وبعد "الربيع العربي"، سواء تعلق ذلك بالمآلات، أو التكوين الاجتماعي، أو النفسي، أو الجيلي.. الخ، ولعله من المفيد التذكير بأن هذه المهمة كونت، مع مرور الوقت، عشرات الكتب الأبحاث، التي بحثت في ماهية الثورات، معالجتها، أبعادها، نتائجها المباشرة وغير المباشرة، وكان من بين هؤلاء الكاتب والمؤلف محمد أبو رمان.

ضمن هذا الإطار، تم إشهار كتاب "سياسات الشباب في الدول العربية" الصادر عن "معهد السياسة والمجتمع" وسط حضور اكاديمي وشبابي لافت، وتخلل اللقاء أخذ ورد بين الحاضرين حول طبيعة الكتاب، وأسباب تأليفه، وسياق عمله، وما أضافه إلى البعد المعرفي العام.

وجرى التعريف بالمؤلفين، ومجال تخصصهما، والآفاق المعرفية التي يمتلكانها، من قبل المقدم المميز الدكتور خليل الزيود.

أما عن أبرز الأفكار التي تضمنها الكتاب؛ فبداية ينطلق مضمونه من سؤال جوهري شغل بال الكثيرين: ما الذي تغير بعد "الربيع العربي"؟، وذلك ضمن دراسة تحليلية تفكيكية لأبرز الأعمدة المسؤولة عن الواقع الشبابي، سواء لجهة إدراكية الأنظمة العربية لهذه القضية المهمة، أو لجهة الخطاب الموجه نحوهم، وتأسيساً على ذلك يحاول المؤلفان البحث في عمق العقلية الشبابية، وفي الآليات التي ارتكز عليها الشباب أثناء انخراطهم الثوري، من خلال فهم تأثير البعد الجيلي بمعناه السياسي.

ويناقش الكتاب المسار التصاعدي للحراكات العربية وارتباطها بالبعد الشبابي، وما جره ذلك من نظرة تشاؤمية حكمت المجال العام قبيل الانفجار الثوري. مسار تلازم مع تزايد النمو السكاني وعدم قدرة الأنظمة العربية على مسايرة هذا النمو، الأمر الذي أنتج نهجاً خوافياً من أي مطالبات ترتبط بهموم الشباب، خاصة في ظل القدرة التأثيرية لهم وسهولة تعبئتهم. وعلى أثر ذلك تلاحقت المشاريع الإنتاجية والمعنوية التي تستهدف إدماجهم -من قبل الدول العربية- وتلبي بعض طموحاتهم، ولكن بقيت هذه السياسات دون فهم مكتمل للأسس الجوهرية للمشكلات الشبابية.

في لقاء الأمس، كانت المداخلات شاملة لكل أبعاد الكتاب تقريباً، وبجهد كبير من المقدم والضيوف، إذ استعرضت الآراء الشبابية المتواجدة، وتم الرد على كامل الاستفسارات والتساؤلات الضرورية أمام هذا العمل المعرفي الضخم، وثمة ميزة قدمها مشرفوا هذا العمل بأنهم استطاعوا بث اللقاء بشكل كامل ومن دون مشكلات فعلية، سواء لجهة دقة الصوت أو الصورة، الأمر الذي أسعد الكثيرين ممن لم يستطيعوا الذهاب إلى عمان للحضور المباشر. وعليه، ومن خلال متابعتي الدقيقة للمداخلات حول الكتاب، فإنه يمكنني إضافة وإثراء النقاش من زوايا أخرى عبر إجمال الملاحظات التالية:

أولاً: إشكالية المفاهيم
تطرق الدكتور فراس بريزات إلى نقطة مهمة جداً في سياق البحث المفاهيمي حول الإطار الناظم للكتاب، عبر تساؤله عن ماهية "مفهوم الشباب"، هل نحن هنا نتحدث عن كتلة متناسقة يسهل ادعاء تمثيلها أم عن أجزاء لها أنساقها وتلويناتها الخاصة؟، طبعاً يدرك الباحثان (محمد أبو رمان وكامل النابلسي) أهمية هذا التساؤل، ومن المؤكد أنهما أجابا عنه بطريقتهما التحليلية الخاصة، ولكن نحن هنا نريد أن نضفي بعض التفصيلات التي قد تعطي أو توضح الصورة بشكل أكبر.

وبالتالي يمكن القول إن غياب "الجماعة السياسية" في الحراك الثوري العربي، التي تحمل مشروعاً سياسياً واقتصادياً وقانونياً يقلب موازيين القوى في الوضع الراهن لصالح واقع حاكمي مغاير؛ أدى إلى تصدير إعلامي (ربما بقصد) نحو الشباب بوصفهم ذوات طاهرة، مما غيب النقاش الاجتماعي لصالح خطاب "حساس" تجاه هذه الفئة الجيلية، من دون توضيح / تعريف من هم الشباب.

إن كبح النقاش عن الحيز العام غيب الجدالات الفعلية حول أنماط ومحددات هذه الفئة العمرية (همومهم، تلويناتهم الجنسية، الكبت الجنسي المعاش، تسلط القيم الأبوية، تراتبيات التطرف بينهم، أحلامهم، أوضاعهم المعيشية، علاقتهم الأسرية.. الخ)، وتحويل ذلك إلى الحديث عنهم بصفتهم لوناً واحداً تمثلهم، في أحيان كثيرة، مجموعة غير منتخبة، تتمتع بوضع تمايزي نخبوي ومرتبطة بعلاقات إعلامية أو تمويلية ما. الأمر الذي أدى إلى تصدير تصورات لا تمثل هذه الشريحة ولا تعبر عن قضاياهم الحقيقية، ومن هنا ظهر الإشكال المفاهيمي حول الشباب.

وبخصوص حديث الدكتور فراس بريزات عن تضخيم مصطلح "الدولة الريعية" بالنظر إلى تراجع ريعية الدولة الأردنية كما في السابق ومقارنة ذلك بالوضع الحالي لدول الخليج؛ فإن الواقع يؤكد أن الريعية المقصودة ليست متعلقة بالضرورة بتقديم الوظائف بشكل مشاعي، إنما المقصود هو "ريعية التمثيل" من حيث سيطرة فئات بعينها على الإطار الوظيفي للدولة (أو أجزاء منها)، وهذا الإطار التمثيلي يمكن الاستدلال عليه من خلال مشاهدة دولة مجاورة لنا، حيث تم ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق مكون بعينه، على رغم أن مرتكبي هذه الجرائم كانوا من مناطق مهمشة وفقيرة ومعدمة، ولكن لأن "التمثيل الريعي" أو الرمزي لما يعتقدون أنه يمثل السلطة كان بأيديهم، فإنهم لم يتورعوا عن ممارسة سطوتهم وبقلب قوي، وبالتالي تراجع "التمثيل الريعي" / الرمزي للأنظمة لصالح مشاريع متصالحة مع فئات مهمشة قد يجعل فئات أخرى تشعر بالتهميش، الرمزي وليس الاقتصادي، وثمة مقولة معتادة في هذا الإطار: "نحن الدولة ولاك".. أو "نحن كبار البلد"، وهذا الشيء نلاحظه أيضاً في الحالة اللبنانية عندما نجد دفاع المعدمين والفقراء عن زعمائهم فقط لأنهم يمثلوهم في "الدولة".

وعليه فإن الريع الوظيفي للدولة الأردنية، ومع استهلاك قدرة الدولة على تقديم التمثيل الرمزي كما في السابق، فإن ذلك قد يعجل بمجموعات كثيرة للمواجهة مع النظام، ظناً منها أنها تمثل "الوطن" أو "الحق"، وهنا يمكننا فهم التعبئة الممكنة للشباب في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وقدرة الأنظمة على ادعاء التمثيل الرمزي للشباب، سواء باللعب على الوتر الديني، أو القومي، أو التضخيم الفحولي لصورة النظام نفسه.

ثانياً: خيبة الأمل ما بعد الربيع العربي..

في حديث الدكتور محمد أبو رمان عن الكتاب وأبرز الأفكار فيه، وجدته يؤكد على مشهد انسحابي شبابي خاصة مع المسارات الدموية بعد الحراكات الثورية، إذ لم يتوقع الشباب أن تنحرف الأمور إلى هذا الحد، وأن تظهر من بينهم مجموعات متطرفة تعلن الحرب على العالم كله، هذا ناهيك عن اختلاط الحابل بالنابل بما يخص الصراعات الأهلية، الأمر الذي أدى، في مراحل لاحقة، إلى تحميل الشباب مسؤولية انهيار الأوضاع عبر التلميح بسذاجتهم وبساطة أطروحاتهم، بل وبات الوضع العام مترحماً على الأيام الماضية من خلال الجملة المتكررة "كنا عايشين". وعليه فإن ما يمكن التأكيد عليه أن استقرار الأمور سابقاً وقدرة الأنظمة على إخماد التباينات الجهوية والمناطقية والطبقة والدينية والأثنية والجنسية، لم تكن إلا تجهيزاً لصرعات صفرية لا تنتهي، وذلك بمجرد ترهل الأنظمة ووصولها إلى الحد الذي تفقد فيه قدرتها الوظيفية أو الشرعية أمام رعيتها.

ولذا فإن تفاجئ الكثيرين مما حدث في سياق "الربيع العربي" لم يكن إلا سذاجة في توقع مآلات الأمور، هذا فضلاً عن السذاجة الثورية للشباب عندما استخدموا مصطلحات شديدة العمومية لا يمكن لا للأنظمة ولا الثوار تحقيقها. ومع الوقت وتقادم الانتفاضات أصبحت النظرة الاستحقاقية مسيطرة على فئة الشباب: دعوات لتمكينهم، حجز حصة لهم في المناصب العامة، تصدرهم الإعلامي.. الخ. الأمر الذي غيب الأساس الديمقراطي الناظم للعلاقات الاجتماعية. أما الآن، وفي شرطنا الحاضر، فإن أفكار التغيير تراجعت (إلى حين طبعاً) لصالح المحافظة على الوضع القائم، وتراجعت معها أشكال التمرد الساخر التي صاحبت الثورات العربية في بداياتها، وذلك لصالح أطروحات أقرب للتشاؤم واليأس والسوداوية، أو، في سياق متصل، الانزواء والاحتماء أو الانسحاب نحو "المساحات الآمنة"، وهذا بالمناسبة يفسر سبب ثقة الأردنيين بالعشيرة أكثر من ثقتهم بالأحزاب.

ثالثاً: الرغبة بالهجرة.. أو الهروب الآمن
وبتعمق الحديث أكثر بين أطراف الجلسة، جرى التعريج على قضية تزايد رغبة الأردنيين بالهجرة، خاصة مع انعدام الأفق الواضح لديهم. طبعاً تمثل الهجرة باباً خلاصياً تجاه الوضع المجتمعي القائم، وهو هروب آمن من التراتبيات الأبوية. ولذا فإنه من الغريب حقاً أن التمرد الشبابي إبان "الربيع العربي" لم يكن يحمل معه أي شكل من أشكال التمرد الشبابي المعهود، لا ضد الأنظمة الأبوية أو الاجتماعية أو الدينية، بل اكتفت حناجرهم بالتعبير الآمن الذي لا يمس البنى الجمعية. أما اليوم فإن من نتائج ذلك، إضافة للعامل الاقتصادي، هو رغبة كبيرة لدى عموم الشباب بالهجرة، وذلك أملاً في عيش حياة طبيعية من دون تأثيم دائم. ولذا، فإن الجزء المعتبر لحل هذه القضية يكمن في تدعيم المسار الليبرالي الفردي بشكل فعال.

ختاماً، يمكن القول إن هذا الكتاب قدم جهداً معرفياً مهماً في سياق البحث عن تفصيلات الفئة الشبابية، خاصة وأن المرحلة التي تناولها تعتبر حساسة جداً، حيث طغت فيها التفسيرات الاختزالية من قبل الأنظمة، فتراوحت ردود أفعالهم بين المواجهة أو الاحتواء، وغابت عنهم الأطر التنموية في سبيل تحسين مستوى الشباب ورفع كفاءتهم. اليوم يقدم هذا الكتاب خدمة معرفية لمن أراد أن يتعمق بهذه المسألة ويبحث في حيثياتها الكثيرة، لا سيما وأن الكتاب فصل بشكل واضح المسارات الثورية في أكثر من بلد عربي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :