التّعبيرُ الوجدانيّ يُسافر إلى اللّا عَودة
احمد حسن ضيف الله
22-05-2023 08:35 AM
لا يمكن أن يكون هناك عمل أدبيّ في منأىً عن التّعبير عمّا يدور في نفس الشّاعر مِن مشاعرٍ وعواطفٍ دفعته للكتابة وهذا ما يُعرف أدبيًا " التّعريف الوجدانيّ " حيث يصهر الشّاعر كلّ ما يدور في خَلَده مِن انفعالات ذاتيّة وضمنيّة في بوتقةٍ واحدةٍ لتُخرج لنا نصّا شعريّا ذا وزن وقافيةٍ تَطربُ له الآذان ويستمتع بقراءته المُتصفّح .لكنّ السّؤال المطروح هنا ما الّذي أودى بعواطفنا الحقيقيّة ومشاعرنا الرّاقية كشعراء وكتّاب إلى أنْ تختفي أو لنقُل أنّها بالكاد تكون مفهومة لدى فِئَةٍ مِن القُرّاء ؟.
لا شكّ أنّ صياغة ما يشعر به الشّاعر وطرحه وترتيب افكاره لإنتاج القصيدة يتطلّب الكثير مِن الوقت والجهد حتّى يقرأها ويفهمها القارىء جيّدًا وتُقدّم له على طبقٍ مِن ذهبٍ لكنّه وللأسف لا يُحسن الغرفَ ولا السفّ .فتراه يعوم مِن غير أنْ يكون سبّاحًا ويطيرُ مِن دون أن يكون طيّارًا ويسوق سيّارته بين أبيات القصيدة دون التقيّد بإشارات المرور اللاّزمة كيف لا وهو لا يحمل رخصة السياقة وأحيانًا يترنّم بالموسيقى
في القصيدة لكن على هواه فترى أوزان الشّعر كضرب الدّفوف والقوافي خوافي تهرب مِن زقاقٍ إلى آخر كي لا يلحظها القارىء وامّا الميزان الصّرفي للكلمات فقد انصرف بلا رجعة فتكسّر السُّلّم الموسيقيّ ولا مجال للصّعود مرّةً أُخرى.وهنا يظهر سؤالٌ آخر لا يريد الظّهور لأنّه مُحرجٌ بكلماته وأحرُفه وأصواته :
هل العيْب في محتوى وفحوى القصيدة أم في طريقة قراءتها وفهمها مِن قِبل القارىء؟.
قد يحتمل الجواب أحد الامريْن لكنّ أصابع الإتّهام تُشير إلى القارىْ لأنّه صاحب القرار الفصْل في انتقاء المادّة الأدبيّة والعمل الأدبي .كيف لا وهو لم يَسبِر أغوارَ النصّ الّذي يُريد قراءته جيّدًا ولم يتمعّن بالجوهر بل أسرع بدرّاجته النّاريّة إلى المظهر ليقرأ قراءته السّطحيّة وينسى أو يتناسى ما وراء السّطور فالبحث في العُمق يُظهر لك الجوهر المكنون والكنز المدفون وحتّى نكون مُنصفين فهناك قصائدٌ جافّة عواطفها خشِنة ومشاعِرُها بليدة حتّى انّك حينما تنظُر إلى السّطر الأوّل يُخيل إليك انّه موضوعٌ نثريٌّ او خاطرةٌ مقطورة لا هي مقطوعةٌ ولا هي موصولة .
لذلك كُلّه علينا أن نعيَ تمامًا كشعراء اوّلاً أنّ التعبير الوجدانيّ مِن مُقوّمات القصيدة بل لا يوجد قصيدة بدون تعريف وجداني وهذا الكلام ينطبق أيضًا على الأعمال الأدبيّة الأخرى لكي تكون عميقةً في مضمونها راقيةً في مشاعرها وعواطفها ساميةً في محنواها الرّوحي للقارىء حيث يقرأها فيعيش تجربة الشّاعر في كلّ ما يُحسّ به ويشعر به .وثانيًا كقُرّاء علينا إنتقاء الأعمال الأدبيّة بتصفيتها وغربلتها حتّى نصلَ إلى ما تطيبُ به النّفس مِن الكلمات ويُحرّك المشاعر والعواطف لدينا وكأنّ هذه القصيدة كتبناها بأيدينا وصُغناها مِن واقع ما نشعر ونحسُّ به .
الكاتب أحمد حسن ضيف الله