الاستقلال .. مئوية ثانية وانجازات وطن
د.حسام العتوم
21-05-2023 03:07 PM
كتب عبد الرؤوف الروابدة في كتابه " هكذا أفكر " ص 15 " لقد بنيت الدولة الأردنية الحديثة على فكرة و دور ، و علينا دائما أن نعي هذه الفكرة و أن نفهم ذلك الدور فيبقى الأردن مستودع الثورة العربية الكبرى وحامل لواء مشروعها النهضوي و رسول الوفاق و الإتفاق " انتهى الاقتباس .
وخير ما استهل به حديثي عن استقلال الأردن الوطن الغالي المتمركز في صدارة العرب وبكامل عمقهم القومي و الديني و الجيوسياسي هو قول دولة الروابدة هنا ، ومن كتابه القيم نستقي ونعرف أيضا بأن المملكة الأردنية الهاشمية أنشأت عام 1921 بعد الحرب العالمية الأولى، حيث قسم الحلفاء بلاد الشام وفق اتفاقية " سايكس بيكو " إلى أربع دول هي الأردن و سوريا و فلسطين و لبنان ، و بأن الأردن سكنه الإنسان منذ العصر الحجري القديم ،و أقام العرب الساميون على أرضه دولا و حضارات ، و بأن الرسول محمد صلَ الله عليه و سلم استظل في رحلته إلى الشام بظل شجرة ما زالت قائمة حتى اليوم قرب الصفاوي بمحافظة المفرق .
و من المهم هنا وحسب قراءتي للتاريخ المعاصر أن نكون على يقين بأن الجهة التي صنعت الأردن مباشرة هي الثورة العربية الهاشمية الكبرى التي انطلقت من مشارف مكة عام 1916 بقيادة شريف العرب و ملكهم الحسين بن علي -طيب الله ثراه- ، ولا علاقة للإستعمار بذلك ، وسجل الأردن بقيادة مليكنا العظيم الراحل الحسين خطوة وطنية جريئة بتعريب قيادة الجيش عام 1956 ، و هدفت الثورة لوحدة بلاد الشام و العرب في دولة واحدة تماما كما كتب المؤرخ الأردني الكبير سليمان الموسى في كتابه " الحركة العربية – سيرة المرحلة الأولى للنهضة العربية الحديثة 1908 1924 صفحة 694695 " إن الملك حسين قام بالثورة وهو يعتقد اعتقادا جازما أن الوحدة العربية ستكون من جملة نتائجها ، علم واحد ، و نقد واحد ، و جوازات سفر واحدة ،و اقتصاد و احد ، و جيش واحد " ، وهي الثورة المجيدة التي استقبلتها العشائرالاردنية ومنها " بني خالد و السرحان و بني صخر" و غيرهم بصدر رحب ،و بنيت لنا مملكة دامت مستقرة أكثر من مائة عام و ستبقى كذلك ،و تقدم الركب ملوك ورجالات وطن – عبد الله الأول الأمير والملك المؤسس وصانع صحافة الإستقصاء الذي أغتيل -رحمه الله- في ظروف غامضة و ارتقى شهيدا في عليين، و الملك طلال صانع الدستور الأكثر تميزا في المنطقة ومن أفضلها في العالم ، و الملك الحسين الباني لحقبة أردنية معاصرة طويلة اقتربت من عمر الاستقلال و من أن تحول الأردن لامبراطورية ومنارة للعرب ، و الملك عبدالله الثاني المعزز للبناء الداخلي وعلى مستوى العلاقات الخارجية الاقليمية و الدولية المتوازنة ، و المنادي بمخرج آمن للحرب الأوكرانية يفضي إلى سلام عادل والمجذف بالأردن صوب الانتاج و المدنية و الحزبية بالارتكاز على العشائرية و القومية و التمسك بالجيل الشاب الناهض و المبدع ، و اهتمام كبير لجلالته بالقضية الفلسطينية عبر حل الدولتين ، و هو المحرر عبر معاهدة السلام لمنطقتي " الباقورة و الغمر" ، و دور متقدم للأمير الشاب الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد المحبوب وسط شباب الوطن من أجل رفعة شأنهم و اشراكهم في البناء الوطني و لرفع معنوياتهم الوطنية ،ووضع الكفاءة المناسبة في المكان المناسب .
وتقدم البناء الوطني الأردني رجالات مخلصون أمثال ( سليمان النابلسي ، و مضر بدران ، و الشهيد وصفي التل ، و مشهور حديثة الجازي ، وعبد الكريم الكباريتي ،و زيد بن شاكر، و عبد الرؤوف الروابدة ، ونادر الذهبي ، و الدكتور خالد الكركي ، وعون الخصاونة ، و زيد و سمير الرفاعي ، و عبد الحميد شرف ، و عبد السلام المجالي ، و علي أبو الراغب ، وفيصل الفايز و الدكتور مروان المعشر ، و عدنان بدران ، و معروف البخيت ، و فايز الطراونة ، و مروان القاسم ، و عبدالله النسور ، وعمر الرزاز، و فوزي و هاني الملقي و غيرهم كثر، و الوطن الأردن الغالي يعج بالكفات المبدعة و المخلصة القادرة على مواصلة البناء بهمة عالية.
و لقد شهدت المئوية الأولى من عمر الدولة الأردنية البناء الكبير ، ويواصل الأردن العمل و البناء بأفكار وخطط جديدة في المئوية الثانية رغم شح الموارد الطبيعية ، و يتغلب على الصعاب بهمة الشباب و الكفاءات المتجددة ،و في ربوعه تنتشر الصروح العلمية و الطبية ضاربة رقما قياسيا من حيث العدد و الجودة على مستوى المنطقة و العالم ، و السياحة في ازدهار دائم وسط متحف مفتوح هو الأردن الشامخ ،و متحف ديني يبنى في منطقة المغطس حيث تعمد السيد المسيح عليه السلام ، النبي الذي ولد في الجوار الفلسطيني ، و تلفريك في عجلون ، و شبكة طرق امنة تغطي المملكة ، وجيشا عربيا أردنيا مغوارا و أجهزة أمنية جبارة موقرة – العيون الحمر - قادرة على حماية الوطن و حدودة مدار الساعة ، وطوق من السفارات وسط بلاد العرب و العالم تحمل إسم الأردن و علمه عاليا ، ويشهد تاريخ الأردن و العرب المعاصر معاركا ضارية مع العدو الإسرائيلي بدأتها اسرئيل عام 1948 ،و 1956 ، قابلها العرب بحرب عام 1967 ، ثم عادت اسرائيل عام 1967 لتهاجم المقاومة الفلسطينية و الجيش العربي القوات المسلحة الأردنية الباسلة وخرجت بنتيجة خاسرة ماحقة لم تعرفها في تاريخها من قبل ، و كررت جيوش العرب النصر على اسرائيل في حرب الجولان عام 1973 بمشاركة فاعلة من قبل الجيش العربي الأردني الباسل ، وقدم العرب و الأردن قافلة من الشهداء الأبرار ، و قارع الأردن الى جانب العرب الأرهاب وسط الربيع العربي و قدم الشهداء من جديد ، و ضرب الشهيد الطيار العسكري البطل معاذ الكساسبة مثلا في الشجاعة و الفداء الوطني قل نظيره في حادثة الرقة السورية المؤسفة عام 2014 ، ومنذ توقيع الأردن لمعاهدة السلام مع اسرائيل عام 1994 لحماية حدوده الجغرافية ولضمان حصته المائية ،طور جيشه حتى أصبح من أكثر جيوش العرب قوة و على كافة المستويات التقنية و التكنولوجية ، و عمق الأردن العربي و الدولي رديف لقوة الأردن العسكرية و الاقتصادية و السياسية و الدبلوماسية .
و المعروف بأن علاقة الأردن بالولايات المتحدة الأمريكية متينة و مساعدات مالية و غيرها تقارب المليارين دولار سنويا ، و علاقات جيدة للأردن مع روسيا الاتحادية ، ومع أوكرانيا " كييف " ، ومع الصين الشعبية ، ومع اليابان ، ومع العديد من دول العالم ومنها الأفريقية و بنشاط دبلوماسي برسم بياني مرتفع و ملاحظ ، و علاقة دبلوماسية ناجحة مع سوريا الشقيقة تمهيدا لعودتها لعرينها العربي ،و هو المرحب به ، و أخرى قوية مع مصر العربية و شمال أفريقيا و دول الأتحاد الأوروبي ، و استدارة أردنية حديثة صوب ايران و رفع للعلاقات الدبلوماسية على مستوى سفير ،و تناغم في العلاقات الحميدة مع دول الخليج كافة بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة التي أصبحت عاصمتها " الرياض " قطبا عربيا قائدا للتحولات السياسية و الدبلوماسية والاقتصادية على مستوى العرب و الإقليم و العالم ، وكلنا نلاحظ توجه كبريات دول العالم صوب تعدد الأقطاب كنتيجة حتمية للحرب الأوكرانية التي برمجها و قادها الغرب لكي تستمر لتحقيق أهداف الحرب الباردة و سباق التسلح التي تتجاوز التحجج بسيادة أوكرانيا في وقت تحرك روسيا الأتحادية عبر عمليتها العسكرية الخاصة بهدف التحرير وحماية سيادة روسيا من تغول حلف " الناتو " الذي رفض السلام معها عام 2000 .
وفي الختام، هنا كل التمنيات لأردننا الشامخ بقيادته الهاشمية الموقرة بالرفعة و الازدهار ، وهو باق وسط العرب كما القلب النابض يواصل رسالة المحبة و السلام ،ويدفع تجاه عدالة أهم قضية عرفها التاريخ المعاصر مثل القضية الفلسطينية ، متمسكا بالوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات في القدس و بقيام دولة فلسطين و عاصمتها القدس الشرقية الى جانب دولة اسرائيل مع عودة اسرائيل الى حدود الرابع من حزيران لعام 1967 ‘ بمعنى لتحرير الجولان – الهضبة العربية السورية و مزارع وتلال شبعا اللبنانية أيضا ليعم السلام في المنطقة ، و لنشر التنمية الشاملة القادرة على رفعة الإنسان و ترسيخ التعاون المطلوب على طريق نشر السلام العادل و المشرف .