انشغالات الولايات المتحدة وجدول أعمال العرب
د. ماجد العبلي
20-05-2023 12:04 AM
هناك انشغالات استراتيجية كبرى ملحة طويلة الأمد تستقطب جل التركيز الأمريكي الذي يفرض تراجع الاهتمام بالقضايا الاستراتيجية الفرعية في العالم، ومنها الصراع في الإقليم العربي.
فالصراع الأساس للولايات المتحدة الآن هو الصراع مع الصين التي تمثل تهديدا جديا لمكانتها باعتبارها القوة العالمية الكبرى ذات النفوذ العالمي الذي يمكنها من تمرير جدول أعمالها ومصالحها القومية في معظم دول العالم.
هذا الانشغال الأمريكي يعطي بعض الأقاليم الدولية هامشا كبيرا من الحرية، أو يقلل من الضغط عليها بالحد الأدنى، بحيث يوفر ظروفا تشبه، إلى حد ما، فترة الحرب الباردة ما بين الغرب والشرق، في النصف الثاني من القرن العشرين، حين امتلكت وحدات النظام الدولي الصغيرة أوراق لعب مؤثرة في ظل سياسات الاستقطاب التي كانت تمارسها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي لكسب تأييد أكبر عدد من الدول لتوظيفها في الصراع.
وقد سمحت تلك الظروف بنشوء منظمة دول عدم الانحياز التي كان لها أثر جلي في السياسة الدولية آنذاك..
هذه اللحظة لحظة استراتيجية مشابهة لتلك، وقد تستمر عقدا أو عقدين من الزمن أو أكثر، وهي تمثل فرصة تاريخية للدول العربية للتقارب والتوافق على جدول أعمال استراتيجي طويل المدى يحقق للدول العربية مركزا دوليا قويا كمجموعة دولية متضامنة، ويحقق لكل دولة على حدة مركزا قويا حيث تحظى كل دولة بدعم المجموعة العربية إزاء الدول الأخرى، كما تحظى كل دولة باستقلالية داخلية ضد التدخلات الخارجية.
ولتحقيق ذلك لا بد من:
1- التوافق على الدولة القائد للنظام العربي، ويبدو أن السعودية هي الدولة المؤهلة لذلك لفترة عقد أو عقدين قادمين تقريبا..
2- التوافق على (مدونة سلوك سياسي) تمثل محرمات عربية جديدة لا يجوز كسرها، مثل:
- عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
- إعطاء المصالح العربية الاستراتيجية الجمعية التي يتم التوافق عليها أولوية على المصالح السياسية لكل دولة على حدة ضمن آلية تعويضية للخسائر التي قد تترتب على ذلك لدى دولة عربية أو أكثر.
- الالتزام الجمعي بالتضامن العربي الاستراتيجي.
3- العمل الجاد (هام جدا وعاجل جدا) لحل المشاكل الأساسية التي يعاني منها النظام العربي، حيث يمكن حلها بقرارات عربية إذا توفرت الإرادة السياسية الجمعية، (وكلها الآن على طاولة رئيس القمة العربية)، وهي:
أ- أزمات اليمن وسوريا وليبيا والسودان والعراق ولبنان والخلاف المغربي الجزائري على الصحراء المتنازع عليها.
ب- أزمات الجوار العربي مثل: العلاقات مع إيران، وتركيا.
ت- القضية الفلسطينية: حيث يمكن للعرب مجتمعين -إذا جَدُّوا وصدقوا- فرض حل الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران1967.
4- تطوير الجامعة العربية لتكون منظمة عربية كفؤة وفاعلة في تكييف الإرادة السياسية الجمعية للنظام العربي وفق المصالح الاستراتيجية العليا للمجموعة العربية.
وإن الدافعية التي يمتلكها ولي العهد السعودي كقائد شاب تمثل نقطة قوة قد تمد هذا الطموح العربي بالحيوية، حيث إن لديه طموح بأن يكون من القادة الكبار بالعالم،
وإذا كانت السعودية تمتلك من الموارد ما يؤهلها لأن تكون من الدول الكبرى إذا أديرت بكفاءة وفاعلية، فإن التفاف العرب حولها- تحدوهم الرغبة الجادة بتعويض الخسائر الاستراتيجية التي تكبدوها خلال اثني عشر عاما- ضمن مشروع عربي موضوعي استراتيجي طموح مشترك سيحقق المرحلة الأولى من النهوض العربي العملي المنشود في هذه الحقبة التاريخية. وكلما طالت فترة الصراع الأمريكي الصيني دون حسم، مع ثبات أوشبه ثبات موازين القوى الراهنة، فإن ذلك سيوفر المزيد من مساحات فرص النهوض العربي الاستراتيجي.
وإذا نظرنا للماضي فإن العرب لا يجيدون استثمار الفرص، أو يخربونها على بعضهم البعض، ولكن وبعد كل هذه الخيبات، فإنني أميل للتفاؤل بأن العرب هذه المرة سيستثمرون الفرصة المتاحة. والله أعلم.
*دكتوراة علوم سياسية