تؤكد السياسة الأردنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في كل قمة عربية على تلك الرابطة القوية دينياً وقومياً وتاريخياً للهاشميين والعرب والمسلمين عموماً بالقدس، وعلى مكانة هذه المدينة المقدسة لديهم، وهو ارتباط وثيق العرى توارثه الهاشميون كابراً عن كابر، فولايتهم الدينية عبر ألف عام ونيق للحرمين الشريفين منحهم شرعية دينية، كيف لا، وهم من آل بيت رسول الله عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم ؛ وهو القائل: "إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين" "صحيح البخاري"، وفي صحيح مسلم: "لا يزال الإسلام عزيزا بخلفاء كلهم من قريش".، وفي رواية عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان". وقال رسول الله: "الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم لمسلهم وكافرهم لكافرهم". وعن بكير بن وهب الجزري قال: "قال لي أنس بن مالك الأنصاري: أحدثك حديثا ما أحدثه كل أحد، كنا في بيت من الأنصار فجاء النبي حتى وقف فأخذ بعضادتي الباب، فقال: ‘الأئمة من قريش، إن لهم عليكم حقا، ولكم عليهم حقا مثل ذلك، ما إن استرحموا فرحموا، وإن عاهدوا أوفوا، وإن حكموا عدلوا’".
في عام 1924 إنعقدت البيعة للشريف الحسين بن علي لحماية المقدسات في القدس ورعايتها والدفاع عنها، في وجه المخططات الاسرائيلية لتهويد القدس ومقدساتها وطمس معالمها الحضارية والدينية العربية الاسلامية والمسيحية، والتي جاءت إمتدادا للعهدة العمرية التي حملها الهاشميون عبر التاريخ، وقد تم النص على الولاية الهاشمية للقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية في إتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية ، وقد جاءت الاتفاقية التاريخية التي وقعها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين والرئيس الفلسطيني محمود عباس لحماية المسجد الاقصى المبارك، لتؤكد على تلك العناية والرعاية الهاشمية المتواصلة على مر التاريخ.
لقد جاءت كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في أعمال القمة العربية بدورتها الثانية والثلاثين في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية الشقيقة بتاريخ التاسع عشر من آيار لعام 2023 لتؤكد على نجاح الدور الهاشمي في قيادة الأمة في أهمية تعزيز المسار السياسي الذي انطلق من اجتماع عمّان، وبنى على المبادرة الأردنية والجهود السعودية والعربية لإنهاء الأزمة السورية ومعالجة تداعياتها الإنسانية والأمنية والسياسية، لكي يعود اللاجئون إلى وطنهم، وقد كان الخطاب الأردني الهاشمي الأكثر وضوحا وتركيزا على قضية الأمة المركزية ، والتي عبر عنها جلالة الملك باللاءات الثلاث الشهيرة في آذار 2019 والتي تعتبر من الثوابت الوطنية الأردنية، فالوطن البديل والتوطين مرفوضين، والقدس خط أحمر نرفض التنازل عن الوصاية الأردنية الهاشمية على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة ن إضافة لرفض كل بديل عن حل القضية الفلسطينيه حلاً عادلاً يفضي لدولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
وإنطلاقا من هذه الثوابت؛ جائت كلمة جلالة الملك في قمة جده لتؤكد أن القضية الفلسطينية مازالت محور اهتمامه، ولا يمكن أن يتخلى عن سعيه لتحقيق السلام العادل والشامل، والذي لن يتحقق إذا لم يحصل الشعب الفلسطيني الشقيق على حقه في الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية على أساس حل الدولتين.
كما أن جلالة الملك يتحدث بصراحة وجرأه حول السياسة الإسرائيلية في تعطيل السلام المنشود ؛ حيث يقول " لا يمكن للسلام والأمن أن يتحققا مع استمرار بناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي، وهدم البيوت، وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وتدمير الفرص المتبقية لتحقيق حل الدولتين، الذي يمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، فالبديل عن ذلك سيضع المنطقة بأكملها على طريق الصراع المستمر."
وفي إستعراض الكلمة الملكية في المؤتمر نجد أن معظمها يدور حول القضية الفلسطينة كقضية مركزية وبشكل خاص إحترام الوضع التاريخي والقانوني القائم في المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، المدينة المقدسة والتي يكرس الأردن بقيادته التاريخية كا إمكانياته من أجل حمايتها والحفاظ على هويتها العربية الإسلامية والمسيحية، انطلاقا من الوصاية الهاشمية على هذه المقدسات.
وإننا عرب الأردن نشعر بالفخر والإعتزاز بالمواقف التاريخية والثابتة لقيادتنا الهاشمية، ويزداد فخرنا عندما نقرأ إعلان جده الصادر في ختام أعمال القمة العربية الثانية والثلاثين، الذي جاءت أهم بنوده إستجابة للمطب الملكي؛ فقد أكد على دعم الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مثلما اكد تبعية إدارة أوقاف القدس وشؤون الأقصى المبارك لوزارة الأوقاف الأردنية بصفتها صاحبة الصلاحية الحصرية، وكذلك على ضرورة مواصلة الجهود الرامية لحماية مدينة القدس المحتلة ومقدساتها في وجه المساعي المدانة للاحتلال الإسرائيلي الهادفة الى تغيير ديموغرافيتها وهويتها والوضع التاريخي والقانوني القائم فيها.
كما أكد البيان على مركزية القضية الفلسطينية، باعتبارها أحد العوامل الرئيسة للاستقرار في المنطقة، وتكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية، وإيجاد أفق حقيقي لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين وفقاً للمرجعيات الدولية وعلى رأسها مبادرة السلام العربية والقرارات الدولية ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي، بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على الأراضي الفلسطينية بحدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وكثمرة للجهود الملكية الأردنية؛ جاء ترحيب البيان بالقرار الصادر عن اجتماع مجلس الجامعة العربيةعلى المستوى الوزاري، والذي أتى بمبادرة أردنية؛ وتضمن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها، ويتأمل في أن يسهم ذلك في دعم استقرار الجمهورية العربية السورية الشقيقة ،ويحافظ على وحدة أراضيها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، وهذا أيضا يخدم المصلحة الوطنية الأردنية العليا.
إعلان جدة، الصادر في ختام أعمال القمة العربية الثانية والثلاثين يبرهن نجاح الدور الهاشمي في قيادة الأمة نحو الرؤية الصحيحة لقضاياها الرئيسة وتفعيل العمل العربي المشترك بالشكل الذي يخدم مصالح أبناء الأمة ومستقبلها الواعد.
*أمين عام وزارة تطوير القطاع العام سابقا
abdqudah@gmail.com