لماذا ظلمنا مؤتة .. المعركة والجامعة .. ؟؟
أ.د عمر الحضرمي
26-12-2010 07:00 PM
من أول السطر. هناك إهمال بيّن، وتقصير جليّ، وظلم جائر، وإجحافٌ كبير، تُمارس في إحدى مدن جنوب الأردن. ومن المخجل والمعيب أن يكون ذلك واقعاً على أرض طاهرة مُباركة لعبت فوقها خيول أول عصبة مسلمة ساقت التاريخ أمامها خارج الجزيرة العربية، في أول معركة بين المسلمين والروم، وفي أول معركة خاضها المسلمون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. هناك سقط اثنا عشر شهيداً، أولهم زيد بن حارثة، تلاه جعفر بن أبي طالب، ثم عبدالله بن رواحة، ومعهم تسعةٌ أطهار آخرون. هناك قاتل ثلاثة آلاف أسد من أُسْد الله، مئتي ألف رومي وقتلوا منهم ثلاثة ألآف وثلاثمائة وخمسين. معركة وقعت في جمادى الأولى من العام الثامن للهجرة، ثأراً للغدر الذي اغتال الحارث بن عمير الاسدي رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد أحد عملاء الروم شرحبيل بن عمر بن جبلة الغساني والي البلقاء.
هذه هي مؤتة المعركة، ومؤتة الدُرّة الجميلة، ومؤتة الجامعة، مؤتة التي قال فيها جلالة الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه "لمؤتة في النفس مكانة، وفي القلب منزلة، وفي الخاطر رعشة اعتزاز. كما أنها في الذكرى مستقرُ مجد وانتماء". وأضاف متحدثاً عن شهداء مؤتة، "وعهدوا إلينا حمل الراية وإبقاءها عاليةً خفاقة، مثلما فعلوا، ومن أجله استشهدوا، فوفاءاً لهذه المعاني جاء اختيار الموقع، وجاءت التسمية لتكون جامعة مؤتة تجسيداً علمياً وعملياً للعبر المستخلصة من معركة مؤتة". وفي 16/4 /1981 قامت جامعة مؤتة، واتسعت لتضم جناحين أحدهما عسكري والآخر مدني، يتلقى العلم فيهما الآن حوالي (17) ألف طالب على يد ما يُقارب خمسمائة وخمسين أستاذاً جامعياً.
كلُ هذا يقع في أول السطر. ولكن ما بعد ذلك حالة من المعاناة غير المبررة، وغير المقبولة، وغير المنتظرة. جامعة مؤتة هذا الصرح العلمي الذي يجب أن يكون مفخرة في كل شيء، بات متهالكاً فقيراً بل ومعدماً. فما أن تدخل من البوابة الرئيسية له حتى تُطالعك الحاجة إلى التغيير الجذري لكل المقومات والبنى التحتية. كلُّ شيء في الجامعة متعثر إلا أمر واحد، هو جودة التعليم. حيث لا يدلك شيءٌ على أن هذه جامعة في القرن الحادي والعشرين، إلا ذلك الصدق في أداء الواجب الذي يقوم به رئيس الجامعة ونوابه وأعضاء هيئة التدريس والإداريون. فالمرء لا يكاد يصدق أنه، تحت هذه الظروف غير الإنسانية، تقوم عملية تعليمية ذات مستوى رفيع. أي أن العنصر البشري هو الجزء الوحيد من الجامعة الذي لم يصل إليه العوز والفقر والحاجة والانهيار.
فقط لو أن الحكومة ومعها المئة وأحد عشر نائباً الذين اصطفوا إلى جانبها، يكلفوا خاطرهم ويتحملوا المشقة والأذى والنّصَبْ والتعب والإرهاق، ويزوروا جامعة مؤتة لساعة فقط، لأني واثقٌ أنهم لن يتحملوا أن يقضوا ليلة أو ليلتين فيها، ويطلعوا على واقع جامعة مؤتة، هذه الجامعة التي خرّجت الألوف وكلهم غادروها وقد ملأ العلم جوانبهم، وطفحت قلوبهم بالإيمان بالأردن.
مؤتة، يا حكومة ويا نواب، ويا مستثمرين، ويا أصحاب البنوك ورجال الأعمال، ويا من حلبوا البقرة حتى بدأ ضرعها يجف، فقط اقتطعوا لجامعة مؤتة بعضاً من فائض فتات موائدكم، أو ثواني من فائض الثرثرة التي تعقدونها عبر هواتفكم النقالة وغير النقالة، فقط اقتطعوا بعض الدنانير مما تنفقونه على شراء ربطات أعناقكم، فقط اقتطعوا تكاليف يوم واحد من أيام رحلاتكم التي تسافرون فيها إلى الخارج لتستعيدوا نشاطكم وتلموا هممكم للعودة إلى استنزاف البقرة الحلوب، اجمعوا ذلك كله وأرسلوه إلى جامعة مؤتة التي لا تحتاج إلى أكثر من تكاليف بناء أحد قصوركم أو بناء بعض مكاتبكم أو ما يتبقى من أموال نسيها أحد السارقين المرتشين الفاسدين زهداً بها أو غفلةً عنها.
ما يجعل مؤتة الجامعة قائمة إلى الآن، هي بركة من الله نزلت مع أول نقطة من دم شهداء مؤتة المعركة أولاً، وتفاني رجالٍ وجدوا أن عليهم أن يقدموا كل جهد لخدمة شباب وشابات ليس لهم ذنب ثانياً.
قدسية مؤتة المعركة متعانقة مع قدسية مؤتة الجامعة، فلا تضطروا زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبدالله بن أبي رواحة، أن يخرجوا من قبورهم ويسائلونكم أمام الله ماذا فعلتم بمؤتة؟