عدم محكومية..
قبل سنتين اتصل بي صديق من التنفيذ القضائي ليخبرني أن اسمي مدرج ضمن قائمة المطلوبين، وعليّ ان أراجع دائرة التنفيذ لحل الإشكال بأسرع وقت ممكن ، منهياً مكالمته بعبارة تحذيرية لا يستهان بها :» شوفهم لا يزقطوك»..وقد قصد من كلمة «الزقط» هنا، الإمساك على حين غرّة.
لم اكن اعرف حتى تلك اللحظة ماهية «قضيتي» التي دعتهم ليدرجوا اسمي ، فانا رجل مسالم كعصفور ، مستقيم كمسطرة ،قانوني كشرطي مرور ،بالإضافة الى أن لساني دافىء، وأعصابي محفوظة في درجة حرارة تحت الصفر.
في اليوم التالي ذهبت الى محكمة الجنايات وانا كلّي ريبة «ان يزقطوني» ،مررت رأسي من الفتحة الزجاجية .. سلام وعليكم السلام ..أخذوا اسمي كاملاً فتحوا الملفات ضغط على كبسات الكومبيوتر..ثم قال لي الموظف: انت مطالب بغرامة 100دينار أو سجن ثلاثة شهور، فسألته عن نوع قضيتي ..قال لي : لا اعرف!! على الشاشة يظهر الحكم فقط ..لكن على الأرجح ان تكون قضيتك واحدة من اثنتين: اما سارق مي!! أو صادم عمود كهربا!!بحسب خبرتي يكون الجزاء في الحالتين غرامة 100دينار أو حبس ثلاثة شهور، قلت له: الاحتمال الأول مستحيل ، لأن «المي مقطوعة»عن حارتنا من 3 سنوات فماذا اسرق؟ اما الاحتمال الثاني فأيضاَ مستحيل:لأن لو سيارتي صدمت عمود انارة فسوف تقوم شركة الكهرباء بتصليح»الكيا» على حسابها «شفقة» على حالتها، ثم قلت له انت لا تعرف سيارتي، هذه الكركوعة لو صدمت «كعكة» لذهبت شطب فكيف تصطدم عمود انارة . قال لي : نصيحتي ادفع «احسن ما يزقطوك» ثم أعطاني رقم القضية وطلب مني مراجعة قصر العدل في العبدلي اذا رغبت بمعرفة تفاصيل أكثر عن قضيتي .. هناك في قصر العدل فتحت ملفات واغلقت اخرى وجلبت أوراق ، ثم تبين انها قضية مطبوعات ونشر / مخالفة للمادة 188.ثم نصحني الشاب أن اعود ثانية للجنايات للحصول على كف طلب..وإلا فإن اسمي سيبقى مقيدا على الكمبيوتر الى الأبد مما يعني انهم سوف «يزقطوني» ذات يوم لا محالة.
طوال الأسبوع الماضي وأنا أحاول استخراج عدم محكومية لغايات الانتساب لنقابة الصحفيين ، قصر العدل في اربد طلب مني ان احضر الوصل المالي وحكم المحكمة في القضية (اياها) من قصر العدل في عمان ، ذهبت الى عمان وأنا كلي ريبة»ان يزقطوني» من جديد ، أمضيت يوماً كاملاً في قصر عدل عمان من مستودع الى مستودع ومن قلم جنايات الى قلم بداية الى قلم جزاء ثم الى مستودع القضايا، ثم رجعت الخميس الى قصر عدل اربد محملاً بحكم المحكمة المكتسب درجة القطعية والمكون من 7 صفحات بالاضافة لصورة مصدقة عن الوصل المالي مدعوماً بكتيّب ادعية مأثورة «عن الربط الاليكتروني»المبارك ..وبسبب نهاية الدوام أجّل الموظف معاملة عدم المحكومية حتى صباح اليوم الأحد.على أي حال اذا لم استملها هذا اليوم ، فانا عازم على تسليم نفسي للجهات المختصة.
***
جونيان آسانغ فرحان بشبابه لأن المحكمة أفرجت عنه بكفالة مالية .. تا نشوف شلون بدك تطلع عدم محكومية ؟
(الرأي)