حول التساؤل إذا كان للوزراء حصانة؟
أ. د. كامل السعيد
14-05-2023 02:16 PM
إجابة على هذا التساؤل، أقول بأنه لابد من التفريق بين الحصانة الإجرائية والحصانة الموضوعية، فالحصانة التي يتمتع بها الوزراء أثناء عملهم الوزاري قد تكون إجرائية أي ليس من شأنها إباحة الفعل الجرمي وتبريره، وتبعاً عدم إعفائهم من المسؤولية والعقاب، غاية ما في الأمر أن من شأنها تراخي الإجراءات الجزائية بحق من يرتكب منهم جرماً ناتجاً عن تأديته وظيفته إلى حين ممارسة المجلس النيابي حقه في إحالة الوزراء إلى النيابة العامة تطبيقاً للمادة (56) من الدستور. ومن المسلم به أنه عندما يرتكب أحد الوزراء جريمة ناتجة عن تأديته وظيفته تطبيقاً للمادة (55) من الدستور، فإنه يتعين طرح الثقة به أمام مجلس النواب تطبيقاً للمادة (54) من الدستور خلافاً لما هو عليه الحال بالنسبة للوزراء الذين يرتكبون جرائم ليست ناتجة عن تأديتهم لوظائفهم وإنما جرائم ارتكبت من قبلهم أثناء ممارستهم لوظائفهم أو بسببها ـ ولا تكون ناتجة عن تأديتهم لوظائفهم ـ فلا مجال لطرح الثقة بهم من قبل المجلس النيابي، فهم يخضعون للقواعد العامة للتحقيق والمحاكمة على الرغم من أنهم قد يكونوا قد منحوا الثقة أيضاً من قبل المجلس النيابي عندما تم التصويت على تشكيل مجلس الوزراء.
عوداً على بدء، نقول أن النوع الثاني من الحصانة التي يتمتع بها الوزراء جميعاً فهي الحصانة الموضوعية التي تقررها المادة (52) من الدستور في قولها "لرئيس الوزراء أو الوزير أو من ينوب عنهما حق الكلام في مجلس الأعيان والنواب، ولهم حق التقدم على سائر الأعضاء في مخاطبة المجلس، فالوزراء في هذا المقام لا يؤاخذون عما يبدونه من الأفكار والأقوال والآراء في أدائهم، شريطة أن تكون ضرورية وملائمة للموقف الذي أبديت فيه.
خلاصة ما تقدم، أن الوزراء الذين يرتكبون جرائم ناتجة عن تأديتهم وظائفهم تطبيقاً للمادة (55) من الدستور في قولها "يحاكم الوزراء على ما ينسب إليهم من جرائم ناتجة عن تأديتهم وظائفهم أمام المحاكم النظامية المختصة في العاصمة وفق أحكام القانون، فهؤلاء يتمتعون بحصانة إجرائية فقط لا موضوعية وإذا كان لي ما أقوله في هذا المقام، فإن هذا النص الدستوري قد نأت بنفسها عنه بعض التشريعات الدستورية الحديثة، كونه قد أحدث تمييزاً بين وزراء تماثلت مراكزهم القانونية سواء تمثل هذا التماثل بإشغالهم المناصب الوزارية أو من حيث ارتكابهم لذوات الجرائم وإن اختلفت ظروف أحدهم من حيث ارتكابها، سواء كان ارتكابها ناتجاً عن تأدية الوزير لوظيفته، أو ارتكابه لها أثناء تأديته وظيفته أو بسببها.
ففي جميع هذه الأحوال المنصب الوزاري هو الذي سهل له ارتكاب هذه الجريمة بحيث لولا إشغاله لهذا المنصب لما كان قد ارتكب تلك الجريمة، ومن المسلم به على الصعيد الجنائي أن الظروف التي تسهل ارتكاب الجريمة تعتبر ظروفاً مشددة لا ظروفاً مخففة من العقاب أو خاضعة لإجراءات متراخية بالمعنى المشار إليه قبل لحظات، كما أن ارتكاب ذوات الجرائم يُخضع جميع مرتكبيها لنفس الإجراءات ولنفس المحاكم دون تفرقة بين المحاكم الخاصة أو النظامية مالم تكن هناك اعتبارات خاصة قد أملت الخروج على هذا المبدأ.