رؤية التحديث في فرص التعقيد الاقتصادي
م. حمزة العلياني
14-05-2023 12:26 PM
يساهم التعَّقيد الاقتصادي (Economic Complexity) بدرجة كبيرة في تحقيق اهداف التنمية المستدامة، إذ كلما زاد الاقتصاد تعقيدًا، زادت قابليته لخلق صناعات أكثر، وهذا يعني تصدير منتجات أكثر تنوعًا، وأكثر تقدمًا، لديها ميزة تنافسية عالية في التبادل التجاري العالمي، وبالتالي ارتفاع الناتج المحلي للفرد، وازدياد المجتمع ازدهارًا ورفاهية.
في سياق التحديات المتعلقة بالأداء التجاري للأردن، فإن الاقتصاد الوطني لم يتمكن من تحقيق أي فائض في ميزانه التجاري منذ عقود، إذ بلغت نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 20.9 % كمتوسط للأعوام 2013-2021، وإضافة إلى ذلك، الصادرات الأردنية شديدة التركز من حيث التركيب السلعي والتوزيع الجغرافي، فقد شكلت الصادرات من الفوسفات والبوتاس والملابس حوالي 35.9 % من إجمالي الصادرات الوطنية، وتشكل كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية والهند حوالي 53.4 % من إجمالي الصادرات الوطنية.
تختلف الدول في تنوّع المنتجات التي تصدّرها، فبعضها يصدّر أنواعًا متعدّدةً من المنتجات، والبعض الآخر يصدر أنواعا محدودة بغضِّ النظر عن قيمة هذه الصادرات، ويسمى هذا المعيار بالتنوّع (Diversity)، وتختلف المنتجات كذلك في عدد الدول المصدّرة لها، وهذا يسمى (التواجد Ubiquity)، التنوع والتواجد مؤشران مهمان لتقييم المقدرات التي تمتلكها الدولة، وكلما توفرا معًا في صادرات الدولة بشكل أكبر، أشار هذا إلى أن اقتصادها أكثر تعقيدًا (ECI).
نتائج مؤشر التعقيد الاقتصادي، والتي صدرت عن جامعة هارفرد عن العام 2020، وأشار إليها منتدى الإستراتيجيات الأردني في تقريره، بينت تصنيف الأردن في المرتبة الخامسة من بين 14 دولة عربية، وحصلت على درجة بلغت 0.07، وترتيب بلغ 59/133 على المستوى العالمي.
ويعود التراجع في مستوى التعقيد الاقتصادي في الأردن بشكل أساسي إلى تركز الصادرات ضمن فئة محدودة من السلع المصدرة بشكل عام، وانخفاض درجة تعقيد هذه السلع بشكل خاص.
يركز التعَّقيد الاقتصادي على خمس أولويات هي تنويع الاقتصادات، وتعزيز نمو توليد فرص عمل لائقة، بجانب تحسين مناخ وتعزيز إمكانية حصول النساء والشركات الصغيرة على التمويل؛ وأخيرا تحقيق تكامل اقتصادي إقليمي.
فالتعَّقيد الاقتصادي يلعب دورا مركزيا في تعزيز ودعم التنمية الانسانية بمفهومها الاقتصادي في الأردن ويسرع من تحقيق مستهدفات النمو الاقتصادي، ولا سيما عند إدماج مجالات الاستثمار في الذكاء الصناعي ضمن مشمولات أهداف التنمية المستدامة، لتعظيم الاستفادة من تقنيات الذكاء الصناعي بجانب مستجدات قطاعات المدن الذكية وتنمية القدرات البشرية، والرعاية الصحية، والمواصلات والبيئة والحراك الاقتصادي.
على الأردن تشجيع الصناعات ذات القيمة المضافة الأكبر وزيادة تنوّع صادراته لما لذلك من أثر على تعقيد الاقتصاد الأردني، وهناك عوامل عدة تساعد في تسريع عملية النمو الاقتصادي ومنها جذب الشركات العالمية لتصنيع منتجاتها في الأردن من خلال نظام حوافز مميزة، كما يوفر استقطاب المبتكرين الذين يملكون معرفة إنتاجية جديدة فرصة لزيادة المعرفة الإنتاجية.
الرؤية الاقتصادية 2033 تلعب دورا محوريا في توجيه النمو نحو القطاعات ذات القيمة المضافة لجعله نموا مستداما؛ فزيادة المعرفة الإنتاجية التي يملكها الأردن يجب أن تكون هدف أي سياسة تسعى للنمو طويل الأمد، لا سيما وأن الاستثمار في المنتجات الجديدة يتضمن مخاطرة أكبر لأصحاب الأعمال من المنتجات التقليدية بالتالي يمكن للحوافز الحكومية أن تكون وسيلة فعّالة لتشجيع الاستثمار في هذه المنتجات.
يضم القطاع الصناعي في الأردن مجموعة من القطاعات الفرعية الأساسية التي تظهر التطور والديناميكية وتتميز بالتبادل والتكامل بين القطاعات الفرعية، حيث تكون بعض منتجاتها بمثابة مدخلات إنتاج لعناصر القطاعات الاخرى، مثل قطاع المحيكات، والأدوية، والكيماويات، والصناعات الهندسية وغيرها من القطاعات عالية القيمة، وهذا يدّل على امتلاك المملكة لإمكانيات إنتاجية تسمح لها بتطوير صادراتها ورفع جودة وقيمة منتجاتها.
عند النظر إلى المنتجات اللازمة لدعم الصادرات من الصناعات التحويلية، والمساهمة بزيادة التعقيد الاقتصادي للأردن، يجب الاهتمام في الاستدامة وتقليل كلف قطاعي الطاقة والمياه، وذلك لتمكين القطاعات الاقتصادية للانتقال إلى الصناعات ذات القيمة المضافة، كإنتاج الأسمدة الزراعية الناتجة عن معالجة الفوسفات والبوتاس، بالاضافة الى الأعلاف الحيوانية، والأمونيا، وفتح أسواق جديدة لا سيما أسواق أميركية وأوروبية مما يعزز تنافسية الأردن.
يجب أن تعالج الحكومة القيود التي تعاني منها القطاعات ذات الإنتاجية العالية، وأن توجِد فرصًا للاستثمار من خلال اقتصاد كلّي سليم وسياسات هيكلية سليمة، وأن تعزز إنتاجية العمل من خلال تنمية المهارات، فعلى الرغم من بعض الإصلاحات الجارية، ينبغي إيلاء اهتمام خاص للإصلاحات الهيكلية التي تتيح تحقيق تحول أخضر ورقمي للاقتصاد، والتي تعزز المؤسسات الاقتصادية وبيئة الأعمال بما يلائم النشاط الاقتصادي القائم على السوق، ودمج اقتصادات المنطقة من خلال التكامل الاقتصادي العربي.
"الغد"